الدول الصغرى، هي الدول ذات المساحة الجغرافية الصغيرة والقوة العسكرية المحدودة نسبة للمخاطر الأمنية المتوقعة، حيث لا مفر لهذا النوع من الدول عن التحالف لحماية أمنها القومي، ولكن أي نوع من التحالف الذي سيحقق هدفها وكيف؟!
من الناحية الجيوبوليتيكية، تعتبر الكويت دولة صغيرة وضعتها الجغرافيا في موقع لا تحسد عليه بين 3 دول كبيرة إقليميا ومتنافسة سياسيا (السعودية - إيران - العراق)، ولذلك من الممكن أخذ الكويت كنموذج للدول الصغرى التي بحثت وتبحث عن أمنها وهويتها الاستراتيجية.
والمقصود بالهوية الاستراتيجية للدولة هي شكل ومضمون التحالف والانتماء الاستراتيجي، هل بالاعتماد على النفس بشكل رئيسي، أو عن طريق حلف إقليمي توفره منظمة إقليمية، أو بالتحالف مع قوة عظمى أو منظمة أممية.
أول أزمة وجودية هددت الكويت بعد استقلالها في 19 يونيو 1961، وفرضت عليها البحث عن خياراتها الاستراتيجية بغرض إشباع حاجاتها الأمنية، كانت عندما طالب الرئيس العراقي آنذاك، عبدالكريم قاسم بضم الكويت للعراق، بعد أسبوع من إعلانها الاستقلال وقام بتحركات عسكرية باتجاهها وإن لم تصل إليها.
كانت الكويت آنذاك للتو قامت بإلغاء معاهدة الحماية مع المملكة البريطانية التي وقعتها في عام 1899، واستبدلتها بمعاهدة صداقة مع بريطانيا، والتي أرسلت بدورها مئات الجند كانوا بمنزلة الطليعة لخمسة آلاف جندي متوفرين في المنطقة، في محاولة منها لردع العراق عن تهديده للكويت، علما بأن قدرة العراق العسكرية تفوق الـ 60 ألف جندي!
بعد أيام معدودة اعترفت الجامعة العربية باستقلال الكويت ووافقت على انضمامها في 20 يوليو 1961، وسريعا ما تدخلت الجامعة العربية في الأزمة العراقية- الكويتية وقامت بإرسال حوالي 1500 من القوات العسكرية العربية بشرط انسحاب القوات البريطانية من الكويت، وهذا ما تم بالفعل.
هدأت حدة التهديدات الأمنية الموجهة للكويت من عبدالكريم قاسم، ولكنها لم تتلاشَ حتى اغتياله عام 8 فبراير 1963.
ما سبق دليل على تنازع الهويات الاستراتيجية الكويتية بين ارتباطها بحلف مع قوى أجنبية وهي بريطانيا، وبين الحلف العربي «الجامعة العربية» والذي حسم لصالح الأخير، بالرغم من أن الحماية العربية كانت رمزية إلا أنها شكلت ردعا سياسيا استطاع تأمين الكويت حتى أزمتها مع العراق في عهد صدام حسين عام 1990، حيث آمنت الكويت بالحل العربي منذ بداية الأزمة، وتجاوبت مع الوساطات والضمانات العربية، وبذلك كانت هوية الكويت الاستراتيجية هي حلفها القومي العربي وجامعتها!
الجدير بالذكر أن الكويت لم ترتبط بأي اتفاقيات حماية أو تواجد عسكري غربي، بالرغم من تهديدات الحرب العراقية - الإيرانية (1979-1986)، وتأثيرات حرب ناقلات البترول على أمن الكويت الوطني، لإيماننا بقدرة العرب على تأمين الكويت من التهديدات المحتملة، وبذاك تكون الكويت اختارت هويتها الإستراتيجية العربية، وهو خيار تبيّن فشله مع كارثة الغزو العراقي، وتحول الكويت بعدها لإشباع حاجاتها الأمنية بشكل رئيسي إلى الولايات المتحدة وان كانت قد وقعت اتفاقيات دفاعية أخرى مع فرنسا وبريطانيا.
يبدو أن التغيرات في البيئة الأمنية الخليجية بعد الاحتلال الأميركي للعراق 2003 وتحول العراقيين من أعداء للأميركان إلى أصدقاء لهم، ونجاحهم بالجمع بين صداقة إيران والولايات المتحدة معا إلى الآن.
بالإضافة إلى تداعيات الأزمة الخليجية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، وما واكبها من فشل لمجلس التعاون الخليجي في حل الخلاف، إلى جانب الموقف الأميركي الغامض والمتردد بين حلفائه الخليجيين، جميع ما سبق جعل من الاتكال على جهة معينة لتوفير الأمن - خطأ ينذر بوقوع كارثة - ولذلك قامت الكويت مؤخرا - وبالرغم من توقيعها لاتفاقية الدفاع المشترك مع الولايات المتحدة الأميركي منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، بالطلب من المملكة المتحدة البريطانية توقيع اتفاقية دفاعية توفر بريطانيا بموجبها وجود عسكري دائم وحماية للكويت.
ختاما: الدرس التاريخي الذي تعلمته الدول الصغرى بعد نهاية الحرب الباردة، هو عدم ربط الدولة بهوية استراتيجية معينة من أجل توفير الأمن، خصوصا في بيئة إقليمية وعالمية متسارعة التغير، وتنويع مصادر الأمن بالرغم من ارتفاع كلفته المالية والسياسية، إلا أنه الخيار الصحيح حتى تتشكل الملامح النهائية لبيئتنا الإقليمية الخليجية.