لأول مرة في حياتي أستشعر طعما جديدا لفرحة عيد الفطر، فلقد تلقينا بفرح خبر انتهاء الحظر الجزئي وعودتنا لممارسة حياتنا الطبيعية والالتقاء بالأهل والأحباب والبشر الذين حرمنا من رؤيتهم لفترات طويلة مع الحرص على الضوابط الصحية والتباعد الاجتماعي.
لم أهتم أبدا لحاجتي لملابس جديدة وغيرها من بروتوكولات العيد المتعارف عليها إسلاميا في كل بقاع العالم، ولم أسع وراء الأكاونتات التي أبدعت بالعرض، كانت فرحتي بيتوتية للغاية المهم أن ألتقي بأغلى ناسي وأحبابي حفظهم الله.
شعور الحرية جعلني أتحرك وأنتقل بين الجمعيات التعاونية وأماكن أخرى مختلفة، صدمت للحزن العميق الذي لمسته من الغالبية، الفرحة كانت مقيدة والوجوه شاحبة حتى الردود مقتضبة جدا، وبعدها مرت أيام العيد باهتة المشاعر، كئيبة الأخبار، لا يمكن إنكار أن الشعب الكويتي شعب عربي أصيل قومي المبادئ يتعاطف مع الضعيف والمحتاج، وللكويت اليد الطولى والمواقف الثابتة، ولكن أن يتحول عيد الله وفرحة الصائم إلى لوم ونقد لمجرد أننا نعيش أجواء الفرح البسيط والذي حلله الله فهو أمر مرفوض تماما.
زخم إخباري للقنوات التلفزيونية وكثافة في الرسائل الإلكترونية وتسابق للسياسيين والمشايخ والعلماء والمتخصصين في مجالات عديدة وبعض الجمعيات ذات النفع العام للحديث عن الصراع العربي- الإسرائيلي ونهايته وكأننا ولأول مرة نسمع عن هذا الصراع، وتناسوا أنها قضية العرب والمسلمين الأولى وأن الكويت وشعبها لم ولن يقصروا، وظهر لنا من يمدح ومن يسب ويشتم ومن يستفز، وهلمّ جرا، وللأسف لم يفكر شخص واحد في أن المجتمع يمر بمرحلة حرجة جدا مع أزمة كورونا وتداعياتها الصحية والتي أثرت على الاقتصاد والسياسة والحياة الاجتماعية والتربوية والتعليمية عدا قصص الفساد ومزايدات النواب التي لم ترحم الشعب الكويتي مع ضبابية تامة للمستقبل وغيرها من الضغوط مما أدى لارتفاع معدلات التوتر والقلق بين الناس وانتشار التفكير السلبي والعدوانية وعدم الرضا والهيجان وتزايد الأمراض خاصة مع كثرة الضغوط والتي تتسبب بضعف الجهاز المناعي على المدى الطويل.
لا ندعو لتزييف الحقائق ولا إنكار الأحداث فقلوبنا مع القضية الفلسطينية ومع كل المظلومين في العالم، ولكن رفقاً بالشعب الكويتي ورفقا بإنسانيته العالية، فأساليب لوم الذات وجلدها وتضخيم النواحي السلبية للأحداث وتوقع الأسوأ وتحميل المجتمع فوق طاقته النفسية والمادية سينعكس سلباً لا محالة، ولنا أن نتصور موجات القلق وتذبذبها وتنوعها ونحن نعيش إعلاما موجها باحترافية عالية جدا مع إنكار حق البشر في الفرح أو الضحك والابتسامة وممارسة الحياة العادية.
كونك إنسانا لا يعني أن تستشعر بعمق كل شيء حولك، لأن روحك ستكون قلقة جدا، الاهتمام له حدوده بالنصح والرحمة والتعاطف والنصرة قدر المستطاع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والشعب الكويتي يعيش الآن مرحلة دقيقة وحساسة، ويستوجب على الحكومة الكويتية وبقدر اهتمامها بالأحداث الخارجية أن تلتفت لزرع الإيجابية في المجتمع المحلى وحمايته من التأثيرات السلبية للأحداث، فالمجتمع كالشجرة المعطاءة التي تمتد جذورها داخل الأرض وتتمسك أغصانها بالأوراق باتساع وجمال يحتويك لتسعد بظله، وما يحدث على الساحة المحلية الآن من مشاجرات وصدامات وجرائم قتل وعنف وسرقات وغيرها ما هي إلا رسائل لا يمكن تجاهلها أبدا حتى نحمي المستقبل الذي نتمناه.
[email protected]