الدولة المدنية هي تطور إنساني وحضاري وهي كذلك تطوير إداري وتنظيمي، وهي بلا شك خلاصة إيجابية لما نتج عن التجربة الإنسانية بعد ممارسات واجتهادات ومعاناة مرت بها المجتمعات والتجمعات البشرية عبر التاريخ خلقت لها شكلا من أشكال الحضارة.
والحضارة لكل الشعوب والأمم هي تطور للحضارة أو الحضارات التي سبقتها مباشرة، أي بمعنى البدء من حيث انتهى الآخر، لأنه ليس من العقلاني والمنطقي أن تبدأ من حيث بدأ الآخر، كما يريد بعض المغرضين وبعض الرافضين للدولة المدنية، والرافضون أساسا للديموقراطية والحريات والحقوق والمكتسبات الشعبية.
***
وفي هذا الأمر أعتقد انه يجب أن تستوي الشعوب الخليجية مع غيرها من حيث القدرة إذا وجدت الرغبة في استخدام النماذج المطروحة ومقارنتها ومماثلتها للواقع الخليجي وتقريبها (للخصوصية الخليجية)، ولن يرفض هذه الإمكانية سوى من هو واقع بالأساس تحت ضغط التجهيل والتخويف أو من هو واقع في فخ الفوبيا والخوف المزعوم من المجهول، أو من لديه تعارض مصالح لأنه من غير المعقول رفض الاقتداء والاحتذاء بالنماذج البشرية الناجحة.
***
للأسف عندما نضرب الأمثلة بديموقراطية العهد الراشدي لبعض من يسمون بالمثقفين العرب، وإن كنت أسميهم دائما (الإنشائيين العرب)، وذلك لعدة اعتبارات يطول شرحها، فيقولون هؤلاء صحابة الرسول ولهم خصائص غير متوافرة في غيرهم، وهذا كلام حق يراد به باطل، فالصحابة الأجلاء رجال آمنوا بربهم وصدقوا رسولهم وصدقوا مع أنفسهم وأخلصوا النية وبذلوا الجهد والعمل، ويجب علينا الاقتداء بهم ولو بشكل نسبي.
وإذا ضربنا لهم أمثلة بالشعوب الأوروبية وديموقراطيتهم تجدهم يتذرعون باختلافات الثقافات بيننا وبينهم، وهذا أيضا كلام غير صحيح وغير مقبول، فهم رجال ونحن رجال بل نحن نتميز عنهم بإيماننا وقيمنا وأخلاقنا.
وعندما نضرب لهم مثلا بالنمور الآسيوية والطفرات والقفزات الهائلة التي حققوها على جميع الأصعدة لاسيما الإصلاحات السياسية والاقتصادية لا تجد عندهم أجوبة نهائيا.
وإذا ما ضربنا لهم مثال التطور والنمو التركي المتصاعد يغيرون الموضوع تغييرا دراماتيكيا ويهربون إلى الأمام بمهاجمة الدولة العثمانية والعثمانيين الجدد وما إلى هنالك من هذه الأوهام.
***
أثبت لنا التاريخ أن مصدر الخطر الأساسي على الشعوب والأمم ليس العولمة ولا الاستعمار، وهي مخاطر لا شك فيها، وليس أيضا الجوع والفقر والمرض مع خطورته الحقيقية، ولا المؤامرات الخارجية التي تحاك عليها ممن لهم أطماع تاريخية أو آنية، بل إن الخطر الأكبر والأساسي على الأمم هو الاستبداد.
والطغيان السياسي الذي تمارسه الأنظمة المستبدة ضد شعوبها بحجة الوقوف في وجه أعداء الخارج فتهدر باسم المصالح العليا طاقات الشعوب وإمكاناتها وتغلق في وجهها آفاق التطور والخروج من التخلف والرجعية.
وهذا الاستبداد يتنامى كلما ابتعدت الأمم عن روح الديموقراطية والدولة المدنية، ويتضاءل ويتقلص وقد يتلاشى نهائيا كلما اقتربت هذه الأمم من الديموقراطية والدولة المدنية.
[email protected]
[email protected]