المريب هو من يثير الشكوك حوله ويدعو لسوء الظن فيه، فلا يقر له قرار، ولا شك أن الريبة تظهر في عيني صاحبها فتجدها في نظراته وفلتات لسانه وخوفه وقلقه، وليس الأمر مقصورا على المذنب والمخطئ، فحتى المحب الغارق في الحب لا تخفى علامات الهوى في عينيه، وتكاد تنطق شفتاه بما في قلبه ويبوح باسم من يحب، ومن هنا قال الشاعر ابن سهل الأندلسي:
هيهات لا تخفى علامات الهوى
كاد المريب أن يقول خذوني
وهذا مثل مفاده أن من ارتكب خطأ يكاد من كثرة خوفه مما جنت يداه أن يفتضح أمره، ويكشف سره، وربما وصل الأمر بهذا المريب إلى أن يقر بما فعل، وحتى من يتهم غيره بلا دليل لا يخفى على ذي لب، ومع ذلك فالحقيقة الثابتة أنه لا يمكن لنا أن نحكم على شخص بسوء حتى يثبت لنا ذلك، فنحن لا نحكم على النوايا ولكن على الأفعال، ومع ما ذكرته فكم من جريمة شنيعة ارتكبها عتاة، وخفيت معالمها ولم يعرف صاحبها وقيدت ضد مجهول، وقد لفت الانتباه وأثار الشك تصرفات البعض المريبة، وكيلهم التهم جزافا لشخص ما دون تثبت، وهي تصرفات تدور في فلك هذا المثل، ولا تطمئن النفس لها، لأن هذه التصرفات والاتهامات توضع علامات استفهام حولها ويوضع تحتها خط باللون الأحمر لعدم مصداقيتها، وعدم قناعتنا بها، فهي مثل كلمة حق يراد بها باطل.
ومن ذلك الهجوم غير المبرر على الدكتور عبيد الوسمي، هذا الهجوم الذي يثير الريبة حقا، فالنائب د.عبيد الوسمي بحنكته وذكائه وبصيرته وسعيه إلى المصلحة العامة استطاع وبنجاح أن يوفق بين الحكومة ومجلس الأمة، ويحل معضلة رغم ما يعانيه من مشاكل صحية، ولقد سعى جاهدا ومشكورا للحصول على العفو الأميري السامي، فحقق سبقا يعجز غيره عن تحقيقه، فكان له ما أراد، وربما كان في جعبة هذا الرجل مشاريع أخرى تصب في مصلحة الوطن والمواطن لا نعلم عنها شيئا، ومع هذا وذاك لم يسلم من ألسنة بعض الناس حتى قالوا فيه ما لم يقله مالك في الخمر، وكل ناجح محسود، وكل شجرة مثمرة ترمى بالحجر.
لست بصدد الدفاع عنه، ولا تربطني به أي علاقة، ولكن الكل يعرف من هو هذا الرجل، وهو أجدر وأحرى بالدفاع عن نفسه بطلاقة لسان وثبات حجة وبيان، ولكن الشك في وطنية أي كويتي غير مقبولة جملة وتفصيلا، فكلنا أبناء وطن واحد، وما نستغربه حقا جعل الكويت شماعة نعلق عليها أهواءنا وتوجهاتنا وهذا الأمر لا يقبله العقل والمنطق، فالكويت أكبر من نزاعاتنا وهي الفسطاط الذي يجمع الكل وبلا استثناء، أما المشكلة الحقيقية التي نعاني منها فهي الفجور في الخصومة فمن ليس معي فهو ضدي وعدوي ولا مكان للوسطية ولا نقطة التقاء، وهذا التوجه ينسف الديموقراطية رأسا على عقب، نسأل الله الأمن والأمان.