سأعود بذاكرتي إلى التسعينيات، إلى حيث كنت في منتصف العمر ولم تكن حياة التقنيات الحديثة قد نشأت بعد، فلا آيباد ولا آيفون ولا أجهزة هواتف ذكية ولا حواسيب لوحية، فلم يكن هناك سوى الحاسب الآلي بشاشته المربعة التي تكاد تكون بحجم الثلاجات الحديثة، وكان ذلك الكمبيوتر مصدرنا الوحيد للتواصل مع العالم الخارجي.
لست مهتما بهذه الأجهزة حديثة المزايا إذ لكل زمن مزاياه، ولربما تزول مزايا الزمن القديم بحضور الزمن الأحدث إذ لكل شيء وقت وليس لشيء دوام، ولعل أكثر ما يشدني الى أيام التسعينيات هو بساطة الحياة وأريحيتها، وانعدام التعقيد الذي حضر في هذا الزمن، وكان مفهوم حرية التعبير مختلفا تماما عن المفهوم الحاضر.
فقد كان كل هم المرء أن يعبر عن احتياجاته ويخاطب مؤسسات الدولة لتمكين هذه المؤسسات من الاطلاع على المشكلة ومعالجتها وإيجاد السبل الكافية والحديثة لتقليص المشاكل والسيطرة عليها.
أما حرية التعبير اليوم فقد غمست بخطاب الكراهية، وأصبح كل من يشاء أن يقلل من شأن أو قيمة شخص آخر، يتلاعب على ثغرات القانون ويقوم بنشر أقاويل وتصريحات تتضمن أفكارا لا يستسيغها الخلق الحسن ولا المبدأ، وكأنه لا رادع أخلاقيا موجودا.
وأصبح هذا الوزر مسخا طليقا يشبه حرية التعبير، دون رادع.
انه لمن المؤسف أن يتزايد خطاب الكراهية والنفس العنصري بحجة حرية التعبير دون أن نجد له رادعا، ولربما هذه هي النقطة التي لم تكن موجودة في زمن التسعينيات فقد كان مفهوم حرية التعبير مختلف كليا.
وأشعر في قرارة نفسي أن وسائل التواصل الاجتماعي ساهمت في إيصال النفس العنصري أكثر من أن توصل المحبة والتفاؤل ووحدة النوع الإنساني وأشعر بأنه تمت إساءة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي على نحو جعل من مصطلح حرية التعبير مصطلحا يصيب بالفزع وينذر بخطاب شديد اللهجة أو قاسي الألفاظ.
ففي السابق اقتصرت فكرة حرية التعبير على مطالبة الفرد بحقوقه، وفي الجيل الحالي قد استطالت إلى التقليل من شأن الآخرين.
وانني أدعو الدولة ممثلة بوزارة الإعلام إلى احتواء أصحاب الجرائد الإلكترونية الإخبارية والعمل على تثقيفهم حول تناول المواضيع من جانب إنساني وليس إخباريا فقط بشكل ينعكس على طريقة تناول الخبر بشكل إيجابي.