دلال العياف
مرض «البارانويا» أو ما يعرف بـ «جنون الارتياب» هو نمط تفكير ينجم عنه الشعور غير المنطقي بفقد الثقة بالناس والريبة منهم والاعتقاد بوجود تهديد ما مثل: الإحساس بأن هناك أشخاصا يراقبونك أو يحاولون الحاق الأذى بك بالرغم من عدم وجود دليل على ذلك، ويعاني من هذا المرض الكثيرون حول العالم، وربما المجتمعات بأكملها، وللبارانويا عدة صور وأنواع مختلفة تختلف من حيث الأعراض وطرق العلاج، يصعب تحديد أعراض معينة لأي مرض نفسي بشكل عام، حيث ان بعض الأعراض يمكن عن طريقها تمييزه.
وبالنسبة للأعراض المميزة لمريض البارانويا فهي: الاعتقاد الدائم بخداع الآخرين له والترتيب للإيقاع به، والشعور بتقدير الذات وعظمة مبالغ فيها، وأيضا الخوف الشديد من إعطاء الناس أي معلومات عنه حتى لو كان هؤلاء الأشخاص من المقربين خشية استخدامها لإيذائه، وكذلك الشعور بالشك فيمن حوله، وعدم إخلاصهم له، واحيانا يتطور الأمر الى هلاوس سمعية وبصرية، ومن هنا نستخلص فحوى الموضوع باختيار حالة مرضية مجتمعية وقضية مهمة تناقش عبر الشاشة والتي عبر عنها الفنان السوري قصي خولي المتميز بدقة اختياراته لموضوعات يطبقها بحرفية تامة على الشاشة، ويناقشها ويحورها، وربما تكون معالجة درامية مهمة لتلك الحالة وكل ذلك من خلال المسلسل السوري اللبناني «بارانويا» الذي يتكون من 14 حلقة، ويقوم ببطولته باقة من النجوم الذين كان كل منهم بطلا في هذا العمل المركب، حيث يشارك بجانب قصي كل من: ريتا حايك، سعيد سرحان، جنيد زين الدين، سارة ابي كنعان، ريم نصرالدين، والإخراج والتأليف لأسامة عبيد الناصر والإنتاج لشركة الصباح.
مسلسل «بارانويا» يناقش حالة مهمة طرأت بكثرة مؤخرا على المجتمع، ولو انها موجودة منذ القدم، ولكن تزداد في الآونة الأخيرة، وقد طفت على السطح، وتقمصها الفنان قصي خولي بشكل لافت، مستخدما أدواته كممثل، حتى انه غير شكله بالكامل في قصة شعره وتغيير لونه، وتغيير ملامح وجهه من خلال عملية «التكساس» لفكه، فالمسلسل يدور حول شخصية «وزير» (قصي خولي) وهو رجل مصاب بمرض انفصام الشخصية، ثم تظهر شخصية «رواد» (سعيد سرحان) الذي يقابل «وزير» في زيارة بحثية الى السجن لدراسة عالم الجريمة، ويصنفه بأنه مريض نفسيا، وهنا بدأت الأحداث بين «رواد» و«وزير» الذي يقع تحت رحمة مرضه وكان السبب في اتهامه بقتل 21 شخصا، ونرى هل «وزير» ضحية أم هو الجاني بالفعل؟ في رحلة بحثه عن البراءة مما هو منسوب اليه، أمر مثير ومربك ويستدعي الإثارة مع إيقاع المسلسل المتصاعد المليء بالتشويق، والبعيد كل البعد عن المط والتطويل.
أثبت الفنان سعيد سرحان جدارته العالية في إتقان تجسيد الأدوار بحرفية عالية، ونتذكر انه كان «مجرم تمثيل» في دور «عبدالرزاق» بمسلسل «الهيبة - جبل» الداعشي، حيث تفاعل معه المشاهدون بشكل ملحوظ، فهو ممثل متمكن من أدواته بشكل تام، حتى طبقة صوته واتقانه للهجة كان مميزا، وتسجل إطلالته في «بارانويا» بدور طبيب نفسي، وطريقة كلامه الناتجة عما مر به من ظروف في حياته مع والده، وأيضا اعتناؤه بأخيه الذي يعتبر من فئة الاحتياجات الخاصة، ولن ننسى حواره مع عمته في احد المشاهد حينما قررت الرحيل عنه وعن أخيه وطلبه منها البقاء، وحينما أعطته أواني وأنتيكات (إرثا من والده) قام بتكسيرها بشكل مربك جدا.
الفنانة الجميلة ريتا حايك اندمجت هي الأخرى في دورها ضمن الحبكة الدرامية المملوءة بالاكشن، بشعر ذي خصل حمراء مموج وشورت أسود وقميص مربوط طوال الوقت على خصرها أثناء رحلاتها مع «وزير»، فقد لعبت ريتا دور «ميلا» ببراعة وأخرجت طاقاتها التمثيلية من خلال أداء متقن، وشاهدنا كيف تناولت مسألة مهمة كتعاطي الكوكايين، ولكن من دون الإدمان عليه، في الوقت الذي كان ينصحها «وزير» بتركه، ويتساءل لماذا تتعاطاه. في النهاية مسلسل «بارانويا» عمل لا يشبه غيره من المسلسلات، فأحداثه غريبة وتثير المشاهد.