قد يعتقد البعض أن «Don’t Look Up» مجرد فيلم آخر حول نهاية العالم القادمة من الأعلى بسبب مذنب هائل الحجم سيسقط من السماء، ولا ننكر أن هذا الاعتقاد صحيح، ولكن تدور أحداثه في إطار من الكوميديا السوداء التي تلامس الواقع من جميع النواحي، وأولها الناحية السياسية والمجتمع غير المبالي، المهتم فقط بمتابعة الشائعات و«السوشيال ميديا».
وهنا يسلط الفيلم الضوء أيضا على مدى تدخل الشركات الضخمة بالسياسات والحكومات، ويصور ذلك بشخصية الملياردير (الذي يلعب دوره مارك رايلانس بأداء شديد البرودة بشكل يثير القشعريرة) صاحب شركة تكنولوجية عملاقة، والذي كل ما يهمه من الكارثة هو الاستفادة ماديا على حساب الشعوب، لكن هذا لا يعني أن الشعوب نفسها غير ملامة، حيث يثبت الفيلم هنا أننا حمقى ومحكوم علينا بالهلاك كجنس بشري، فالنتيجة هي نفسها، سواء كان فيروس قاتل أو كوارث بيئية أو الاحتباس الحراري أو مذنب قاتل سيصدمنا، سينتهي العالم، لكننا نهتم بانفصال مطربة (بأداء رائع من آريانا غريند) عن حبيبها الموزع الموسيقي أكثر من اهتمامنا من بقائنا على قيد الحياة (يجدر هنا ذكر مدى روعة الأغنية التي تؤديها مع كيد كودي في الفيلم)، وحتى عندما يدرك الشعب حقيقة ما يجري، فإنه ينقسم بين مصدق ومكذب للمسألة مع انتشار نظريات المؤامرة وحملة «لا تنظروا للأعلى» التي هي عنوان هذا العمل في تصوير لمدى إنكار الشعوب للواقع وإشاحة نظرهم بعيدا عما هو حقيقي وواضح أمامهم لو أمعنوا النظر حقا.
إن الفيلم منفصل عن الواقع بقدر ما هو واقعي، ولا يمكن إنكار مدى براعة المخرج ماكاي بنسج قصة تتحدث حول ما يحدث في هذه اللحظة، فالمقارنات وأوجه التشابه كثيرة، بداية من كوفيد والمناهضين للقاحات وصولا إلى هيمنة الشركات العملاقة على كل شيء حتى مستقبل الشعوب، إلى تسييس كل شيء وفقا لما يناسب الحكومات، لكن ليس كل شيء سوداويا.
على سبيل المثال، هناك شخصية الفتى (يلعب دوره تيموثي شالاميه)، وهو شاب لا يصدق أو يثق بأحد ولا يهتم بالمؤامرات، بل يجد نفسه منجذبا لصرخة كيت (جينيفر لورنس) على التلفاز، والذي يؤديه «شالاميه» بشكل رائع، لكن من يختطف الأضواء حقا في الفيلم هما لورنس وديكابريو، فبالرغم من طاقم الممثلين الضخم والرائع، إلا أن لورنس تجسد بشكل رائع الشعور بالإحباط الذي نشعر به جميعنا كمشاهدين، فتضيء الشاشة في كل مشهد تظهر فيه، بالإضافة إلى ديكابريو الذي يقدم أداء نجوميا كما اعتدنا منه بدور البروفيسور المتوتر والمضطرب في البداية، والذي يتغير أداؤه مع تغير شخصيته، حيث يصبح لاحقا الوجه الإعلامي لكل ما يتعلق بالمذنب.
بالحديث عن الأداء الرائع، لا نغفل بالطبع أداء الحائزة جائزة الأوسكار «ميريل ستريب»، والتي تتألق بدور شرير لم نرها فيه منذ فيلم «The Devil Wears Prada»، فتنجح بشكل ممتاز في تجسيد دور رئيسة الولايات المتحدة اللامبالية سوى بنفسها، وليس حتى بابنها، ومن ناحية أخرى هناك «كيت بلانشيت» التي تلعب دور المذيعة المزعجة التي لا تهتم لشيء سوى إضفاء طابع السخرية على أي موضوع يتحدثون عنه على الهواء بشكل رائع أيضا.
قد يعاني الفيلم أحيانا من تباطؤ وتيرته، إلا أننا سنستمتع بالكثير من الضحكات على ردود الأفعال الباردة للمسؤولين، خاصة حين يعرض علماء الفلك تلك المصيبة القادمة من السماء ومطالباتهم للحكومة بالتدخل لمحاولة عكس اتجاه المذنب الهائل لإنقاذ الأرض.
يحاول المخرج ماكاي أن يصرخ للعالم أجمع، «افعلوا شيئا لإنقاذ العالم وإلا فسنخسر كل شيء»، وتأتي هذه الصرخة من طالبة الدكتوراه كايت ديبياسكي (جينيفر لورنس) التي تكتشف هي وأستاذها د.راندال ميندي (ليوناردو ديكابريو) أن مذنبا يبلغ عرضه نحو 9 كم سيضرب الأرض ويدمرها بعد نحو 6 أشهر، إنه «قاتل الكواكب» كما يطلقون عليه، وبعد إحباطهما من ردة فعل المكتب الرئاسي، يلجآن إلى الإعلام على أمل أن يفهم الناس مدى خطورة الأمر، صارخين «سنموت جميعا» تصرخ كايت بانفعال في برنامج تلفزيوني باستضافة مذيعين يمثلانهما «تايلر بيري» و«كيت بلانشيت» بعد ردة فعلهما الساخرة حول الأنباء، لكن سرعان ما يتم تهميشها بل واعتبارها مصابة بالجنون، فتتحول إلى «ميم» ينتشر عبر الانترنت بسرعة أكبر بكثير من انتشار الخبر الكارثي بحد ذاته.