من الجيد أن نفهم الفرق بين المساواة والإنصاف والعدالة، لأن ذلك يساعدنا على التعرف على الاختلافات بينها وكيفية التعامل معها. فقد يظن البعض أن هذه الكلمات مترادفات، ولها نفس المعنى. لذلك نجد في الآونة الأخيرة خلطا بين هذه المفاهيم.
في البداية، العدل ليس كالمساواة، فالعدل أشمل من المساواة، ففي بعض الأحيان من العدل المساواة، وفي أحيان أخرى من الظلم المساواة. فالعدل مطلوب في جميع الأحوال، وأما المساواة مطلوبة في المتماثلات، وليس بالمتضادات كقوله تعالى (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ـ فصلت: 34) ومع ذلك هناك استثناءات.
أما كلمتا العدل والإنصاف فهما متلازمتان وتستخدمان بشكل متبادل، ولكن مرة أخرى العدل أشمل وأعم. من العدل الحيادية والإنصاف والتعامل مع الأفراد والمواقف بالمساواة، والابتعاد عن الظلم والانحياز والعنصرية.
أما المساواة فهي مرادف لمعنى متعادل أو متماثل. ولكن ليس من العدل المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة، والكبير والصغير، والقوي والضعيف، والفقير والغني، والصحيح والمريض، والعاقل والمجنون. لذلك نرى أن دين الإسلام راعى الفروقات، فساوى بين المتماثلين بالحقوق والواجبات ولم يفرق بذلك بين الأبيض والأسود ولا العربي والأعجمي، وعدل بين البشرية بشكل عام. وأما في حال وجود الفروقات فالعدل هو الأساس، فلا تجب الزكاة على الفقير ولا الصيام على المريض ولا الحج على من هو غير مقتدر، وسقط التكليف عن المجنون. ولكنه في نفس الوقت هو دين المساواة فلا فرق في هذا الدين بين عربي أو أعجمي ولا أبيض أو أسود ولا غني أو فقير إلا بالتقوى.
لكن السؤال: من هم المراجع الذين نثق بهم ونتبعهم، وهم يتبعون طريق العدالة، وهم مجردون ومنزهون من الهوى وحظ النفس، والجهل وقلة المعرفة، والتقلب بالآراء، والتأثر بالمؤثرات، والتحيز لأحد الجهات؟ فلا مرجع لنا نحن معشر المسلمين إلا ديننا الحنيف وهو كتب الله وسنة نبينا محمد ﷺ. وأما غير المسلمين فهم يضعون قوانينهم على حسب أفهامهم القاصرة ونظرتهم المحدودة وأهوائهم المتقلبة وأهدافهم الضيقة، لأن ليس لهم مرجعية، لذلك أعظم نعمة ينعم بها المسلمون هو هذا الدين.
الخلاصة لا مساواة مطلقة، وهي من يسعى لها البعض بمحو جميع الفروقات التي أقرها ديننا الحنيف دون الاعتبار لمبدأ العدالة. نحن مع المساواة بعدالة وإنصاف كما أمر بذلك ديننا الإسلام، فمن وضع هذا الإرشادات لبني البشر، هو الملك سبحانه، الحكم العدل الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه، فهذا نبينا ﷺ قال «فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله» (متفق عليه). أما المساواة المطلقة فهذا عبث، وانحراف عن الإنصاف والعدالة، فهل من العدل المساواة بين النقيضين وغير المتماثلين. نحن هنا لا نتكلم عن اللون والعرق، والاستثناء الوحيد الذي نقبل به هو الذي أمرنا الله به وشريعته، وهذه هي المساواة العادلة.