مع طاقم ممثلين مؤلف من الكثير من النجوم يقودهم رايان غوسلينغ بدور قاتل في وكالة الاستخبارات المركزية، يبني «The Gray Man» نفسه مستخدما عناصر أصبحت قديمة وسطحية من أفلام أكشن أفضل منه بكثير، ويأتي الفيلم من إخراج الأخوين جو وأنتوني روسو اللذين تشاركا في تأليفه مع كريستوفر ماركوس وستيفن ماكفيلي، الشهيران بإخراج الكثير من أفلام كون مارفل السينمائي منها «Avengers: Endgame» لكن في حين غالبا ما يتم انتقاد أفلام مارفل لافتقارها إلى الأسلوب المتفرد، فإن «The Gray Man» هو نتاج للعديد من الأساليب المتضاربة مع عدم وجود رؤية موحدة، ما ينجم عنه فيلم تجسس مختلط يستغرق وقتا طويلا ليصبح ممتعا.
الفيلم مبني على سلسلة روايات من تأليف مارك غريني (والذي تعاون بشكل متكرر مع الراحل توم كلانسي)، وهو يمثل أحدث محاولات نتفليكس لإطلاق سلسلة من هذه الأفلام، وكانت قد كشفت تقارير أن عملاقة البث أعطت الأخوين روسو ميزانية ضخمة وصلت إلى 200 مليون دولار، لكن نادرا ما تنعكس هذه الميزانية في مظهر الفيلم الخالي من أي تميز ما يجعل المواقع الغريبة تبدو رخيصة، كما تبدو المشاهد القتالية المعقدة متداخلة في بعضها البعض على عجل.
يقدم الفيلم في جوهره قصة تبدو فيها كل شخصية وكأنها مفبركة من فيلم محاكاة تجسس ساخر لا يتحدث سوى بمصطلحات تجسس عامة ونادرا ما يظهر أي إنسانية فيه، وربما هناك استثناء رئيسي واحد هو شخصية القاتل الأنيق المعتل اجتماعيا لويد هانسن (كريس إيفانز) الذي يطارد شخصية غوسلينغ الذي يحمل الاسم الرمزي (Sierra Six) على مدار الفيلم الممتد على 129 دقيقة، لكن في نهاية المطاف نشعر أن شخصية إيفانز تلتزم أكثر من اللازم بذلك الطابع ويبذل الكثير من الجهد لتجسيد الشرير بشكل ساخر لدرجة لا يترك انطباعا دائما.
هناك مشهد موجز في 2003 يصور عملية تجنيد (Six) من زنزانة سجن من قبل عميل الوكالة دونالد «فيتز» فيتزروي (بوب ثورنتون الذي تم تصغير سنه رقميا) قبل أن ينتقل الفيلم للأمام 18 عاما، حيث يتم القبض على (Six) وسط عملية قتل في بانكوك، حيث لا تبدو الأمور جيدة تماما، وبمساعدة العميلة الميدانية داني ميراندا (آنا دي أرماس)، وتعليمات قاسية مشكوك فيها من رئيسه الجديد الذي لا يرحم ديني كارمايكل (ريغيه- جون بايج)، ينفذ (Six) الأشياء بطريقته الخاصة ويخلق ضجة في ملهى ليلي ما يؤدي إلى معركة مع هدفه بالكاد يمكن فهمها، والتي تنتهي بحصوله على بيانات سرية تهدد عمليات الوكالة.
يستلهم ما يلي من أحداث من أفلام مثل Sky fall وثلاثية Bourne وبعض أفلام Missions: Impossible وحتى John Wick إلى حد كبير، لكن لا يتمكن الفيلم إطلاقا من إنشاء شخصية أو مشهد أكشن لا ينسى مثل الأفلام التي يستلهم منها، وبالرغم من أن غوسلينغ يقود حوارات الفيلم الغريبة والهادئة، فهي تتركه كالهائم في سيناريو لا يعطي (Six) أي سمات شخصية مميزة، ناهيك عن هدف حقيقي يتجاوز النجاة من هجوم عسكري مرة أخرى قبل العودة إلى موقع آسيوي أو أوروبي ما بانتظار المشهد الكبير التالي.
هناك محاولات لمنحه بعض المشاعر المؤثرة من خلال تقديم تعقيدات ابنة أخ فيتز المختطفة (جوليا باترز)، والتي يتم الكشف عن تاريخها مع (Six) من خلال لقطة فلاش باك طويلة توقف وتيرة الفيلم بالكامل، يحب «The Gray Man» القفزات الزمانية فيه، لكن (Six) ليس شخصا بقدر ما هو مزيج من الأفكار السينمائية التي لا تحصل أي منها على مساحة التنفس المطلوبة.
يعاني غالبية طاقم الممثلين بشكل مشابه من التقييد بسبب انتقال الفيلم من مشهد إلى آخر من دون لحظة إنسانية دائمة، «دي آرماس» على سبيل المثال لا تبدو محببة بقدر ما تبدو خائفة بالفيلم، إنها ممثلة رائعة لكنها تصارع هنا، حتى «جيسيكا هينويك» التي تلعب دور الضابط الثاني بعد «كارمايكل» عالقة بشخصية لا تقوم سوى بالاعتراض أو إلقاء الملاحظات العرضية حول أساليب هانسن المدمرة من أجل إعطاء الفيلم نوعا من المعضلة الأخلاقية أو العواقب، وذلك حتى يتذكر «The Gray Man» أن هينويك قد تكون مفيدة في جزء ثان محتمل، ما يمنحها فائدة في اللحظة الأخيرة والتي تعمل فقط على إلغاء التوتر من بعض المشاهد.
يتم تقديم شخصية هانسن (كريس إيفانز) على أنه معتل اجتماعي لكنه لا يعطي شعورا برهبة كبيرة، ربما يكون السبب هو أن إيفانز فنان بأداء مباشر للغاية، أو ربما كانت هناك بعض الملاحظات من المؤلفين والمخرجين التي كان عليه استخدامها فيما يتعلق بالطابع الشرير الشيطاني للشخصية، ويبدو التناقض بين أسلوب عمله الشيطاني وبين حذائه وملابسه العادية بسيطا جدا بدلا من أن يكون مثيرا للاهتمام بالنظر إلى سلوكه العدمي، لكن يعرض الفيلم في الواقع مثالا رائعا لهذا النموذج المطلوب وإن كان لفترة وجيزة من خلال شخصية تدعى «الذئب الوحيد» «Lone Wolf» وهو أحد القتلة العديدين على غرار جون ويك والذي يطلقه هانسن في سعيه وراء (Six) يلعب دور Lone Wolf النجم الهندي دانوش، وبالرغم من أنه لا يظهر سوى في عدد قليل من المشاهد (وسمته الوحيدة المميزة هي فكرة مستشرقة غامضة عن «الشرف»)، فإن المزيج بين البدلة المنقوشة والحركات الرشيقة خلال مشاهده القتالية تمتاز بذاك الصدام المتناغم بين القسوة والأناقة والأسلوب الذي يحتاج اليه الفيلم بشدة من إيفانز.
يفشل «The Gray Man» باستغلال طاقم ممثليه من النجوم من خلال عدم إعطائهم ما يكفي ليعملوا به خارج نطاق السخرية والتهكم.
وبالحديث عن الأسلوب، يوضح الفيلم بشكل جلي أن أسلوب الأخوين روسو بالنسخ واللصق البصري لا ينجح، حيث إن أسلوب القطع السريع الشبيه بأفلام «Bourne» خلال المعارك اليدوية يفتقر للتأثير الدموي، وبالرغم من أن استلهامهما أحيانا لأسلوب معارك «John Wick» التي تجمع بين إطلاق النار والحركات القتالية يوفر أحيانا بعض الوضوح، لكن حتى في اللقطات متوسطة وواسعة النطاق الأكثر وضوحا، لا يوجد إحساس بوجود تركيبة معينة تلفت النظر، مع استخدام بعض الإضاءة واللون لإبراز الحالة المزاجية، حتى أن الأخوين أضافا بعض اللقطات المأخوذة من طائرات مسيرة لكنها تبدو عشوائية، وللمقارنة فقد استخدم فيلم «Ambulance» للمخرج مايكل باي الطائرات المسيرة لتحويل مطاردة إلى قطار ملاهي رباعي الأبعاد، في حين استخدم الأخوان روسو ببساطة التكنولوجيا في لقطات تأسيسية قليلة أو كوسيلة للربط بين المشاهد عندما لا يعرفان كيف ينتقلان من مشهد قتالي إلى آخر.
يتحول «The Gray Man» في نهاية المطاف إلى فيلم إثارة قابل للمشاهدة قبل عقدين من الزمن، من النوع الذي كنا نستأجره على أشرطة الفيديو لمجرد أن الغلاف يحمل صورة منظار تصويب ووثائق سرية وربما علما أميركيا ذابلا، ولكن بحلول الوقت الذي يصل فيه إلى تلك النقطة يكون قد أضاع الكثير من الجهود في إنشاء شخصيات غير لافتة ولم تعد محاولاتها في اللحظة الأخيرة للحصول على علاقات عاطفية أمرا مجديا، إنه فيلم عن لا شيء ولا أحد على وجه الخصوص، وليس جميلا حتى من الناحية البصرية.