الموت هو المحطة الأخيرة في حياتنا، وكل يوم يمر محسوب من أعمارنا، يدنو بنا إلى آجالنا ثم هو البرزخ، هذه سنة الله في خلقه، ومن لم يعد العدة لمثل هذا اليوم فسيندم ندما شديدا حين لا ينفع الندم.
يفر من المنية كل حي
ولا ينجي من القدر الحذار
والحقيقة أن كل شيء في هذه الدنيا مقدور عليه ومستطاع إلا الموت فهو حتم على رقاب العباد وهو الطالب الحثيث الذي لا مفر منه، إنه الموت مذل الجبابرة، هادم اللذات ومفرق الجماعات، يقول المولى عز وجل: (قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون - الجمعة: 8) فسبحان الحي الذي لا يموت وسبحان الذي كتب على عباده الموت، وكل مصيبة تهون إذا تذكرنا مصيبتنا بأشرف الخلق والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وإني وايم الله لأكتب هذه المقالة والألم يعتصرني والحزن جاثم على صدري، ولكن لا بد للمرء أن يروح عن نفسه، فبالأمس القريب فارقت حبيبا عزيزا غاليا هو ابن أخي رياض فهد السعيد، وهذا الرجل كان شيئا مهما في حياتي لا أستغني عنه، ولكن ليس في اليد حيلة فلا حول ولا قوة إلا بالله، والحق أن الله تعالى أعطاه نصيبا وافرا من اسمه رياض فكان اسما على مسمى، لقد كان قريبا إلى قلبي لا للقرابة فقط وإنما لما حباه الله من أخلاق عالية عرفه بها القريب والبعيد، وشهد له بها القاصي والداني، وكذلك لصلته رحمه، وتوقيره للناس كبيرا وصغيرا، وكرمه الزائد على الحدود، وشخصيته المحبوبة المرحة وتواضعه وابتسامته الدائمة، ناهيك عن حبه لعمل الخير، ولا أخفي صدمتي وذهولي عند سماعي خبر وفاته، ليس للموت فكلنا سنموت ولكن لرحيله المبكر، فسبحان الله كنت أتصور واهما أنني سأموت قبله بحكم فارق السن بيني وبينه، إلا أن إرادة الله هي الغالبة، سبقني لأن (لكل أجل كتاب)، فأنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد.
يريد المرء أن يُعطى مُناه
ويأبى اللهُ إلا ما أرادَ
والحقيقة أنه مصاب جلل، وفراق صعب للغاية إلا أنك لا تستطيع فعل شيء أمام إرادة المولى عز وجل، وقد أحسن كعب بن زهير ونطق الحكمة حيث يقول:
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته
يوما على آلة حدباء محمول
رياض، رحمه الله، لم يكن ابن أخي وإنما كان ابني وصديقي فقد كان معي في طفولته، وفي شبابه، وعندما كنت معلما كنت أدرسه، وتوسمت فيه الخير منذ صغره فكان كظني فيه نشأ شابا قدر المسؤولية نظيف اليد واللسان طاهر القلب حسن النية، متسامحا بارا بأبويه محبا للناس، متواصلا مع الجميع.
لكل اجتماع من خليلين فرقة
وكل الذي دون الممات قليل
وإن افتقادي واحدا بعد واحد
دليل على أن لا يدوم خليل
فإلى رياض الجنة يا رياض بإذن الله تعالى، واللهم أسألك أن تعامله بما أنت أهله ولا تعامله بما هو أهله، وأن تنزله منزلا مباركا وأنت خير المنزلين، وسأظل أدعو لك حتى ألحق بك والحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه.