سهام الليل، الدعاء والتضرع إلى الله، عندما تغفو العيون، وتطلب الغوث والنصرة، هذه السهام لا تصيب إلا بمقتل، وقلما تخطئ، وهذه المقولة قالها الإمام محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه ضمن أبيات حكمة رائعة يقول فيها:
أتهزأ بالدعاء وتزدريه
وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطئ ولكن
لها أمد وللأمد انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي
ويرسلها إذا نفذ القضاء
وقد بين لنا هذا الأمر سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث قال في حديث شريف رواه البخاري في صحيحه: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليل الآخر، يقول: «من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له» فالحذر الحذر من سهام الليل، وهي دعاء المظلوم على من ظلمه، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، وهذا عندما يقل الناصر ويظهر الباطل ويضيع الحق، ويطل إبليس برأسه.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: الذنب لا ينسى والبر لا يبلى والديان لا يموت، فكن كما شئت فكما تدين تدان. روى الطبري أن أهل بغداد أيام محمد المعتصم بالله تأذوا من الأتراك وكانوا جل جيش المعتصم وكانوا عجما جفاة فذهب إليه وجوه أهل بغداد وصالحوهم واشتكوا إليه منهم وطلبوا منه أن يتحول ومن معه عن مدينتهم وإلا قاتلوه، فقال لهم المعتصم: وكيف تقاتلونني وفي عسكري ثمانون ألف دارع؟ فقالوا: نقاتلك بسهام الليل، فقال: لا طاقة لي بذلك، وتحول بجيشه إلى مدينة سامراء، ولما قتل الحجاج بن يوسف رباني الأمة سعيد بن جبير أخبر بذلك الحسن البصري فرفع يديه وقال: يا قاصم الجبابرة اقصم الحجاج فما عاش بعد قتله سعيد سوى ليال ثم مات ميتة سوء.
وجاء عالم أفريقية حفص بن حميد إلى الوالي عبدالله بن الأغلب وكان ظلوما غشوما فقال له: اتق الله في شبابك وارحم جمالك وأشفق على بدنك من النار، وارفع هذه الضرائب الجائرة عن الرعية، وخذ بالكتاب والسُنة، فأعرض عنه ولم يأخذ بنصيحته وضاعف الضرائب على الناس، فقال حفص بن حميد: قد يئسنا من المخلوق فلا نيأس من الخالق، فقام الناس معه وساروا إلى المصلى ودعوا الله بعد صلاة العشاء أن يكف عنهم أذى الأمير الظالم، فما لبث الأمير أن أصابته قرحة تحت أذنه لم يصمد أمام وجعها سوى خمسة أيام، فتغير لونه وكان أجمل أهل زمانه إلى الأسود ثم مات، وهذا فعل سهام الليل.
ودمتم سالمين.