عبدالحميد الخطيب
قدم لنا مسلسل «سيدة العتمة»، الذي انتهى عرضه منذ أيام على «MBC1» و«شاهد VIP»، ثماني حلقات مليئة بالدلالات الفلسفية والنفسية من خلال دراما اجتماعية تشويقية معاصرة، دارت في أجواء من الغموض والإثارة، ورصدت حكاية شقيقتين تجسدهما الفنانة القديرة سعاد عبدالله، إحداهما قوية ومتسلطة، والثانية طيبة ومسالمة.
تأخذنا أحداث العمل الى قصة نائلة (سعاد عبدالله) المرأة الثرية التي تتسبب في معاناة أولادها نفسيا بسبب معاملتها القاسية لهم، وقبل وفاتها تقوم بتقسيم ثروتها بين ولديها سعود (سعود بوشهري) وروان (روان المهدي)، وتحرم ابنتها الصغرى حنين (صمود المؤمن) من أي شيء، وهي الشابة التي تعاني مرضا ثنائي القطب، وتكتشف «حنين» أن خالتها بثينة (سعاد عبدالله) على قيد الحياة ومسجونة في مزرعة بعيدة منذ 25 سنة، وتحاول فك هذا اللغز، وتظهر مفاجآت تربط الخطوط والشخصيات ببعضها البعض، حتى نصل الى الحقيقة في النهاية بأن «حنين» ليست ابنة «نائلة» لكنها ابنة «بثينة»، وانه تم إبعاد «بثينة» عن الأنظار بعد دفعها لزوجها من الشرفة ومصرعه.
تضمن المسلسل عدة محاور تؤكد أن المرض النفسي يمكن السيطرة عليه، وطرح سؤالا «ما إذا كان الإنسان يستطيع تجاوز أزماته وأن يتسامح مع الآخرين دون أن يحمل أحقاده وسوداوية ماضيه معه؟»، وأجابت الكاتبة منى الشمري خلال الاحداث على هذا السؤال بإظهار الجوانب النفسية في حياة الشخصيات، والتناقضات والصراعات الداخلية التي أثرت عليها، بذكاء وتواتر درامي مميز.
وتمكن المخرج عيسى ذياب من تقديم صورة تعكس العمق الإنساني في نص منى الشمري، وأحسن في اختيار زوايا تصوير مميزة تعكس العلاقات المتداخلة بين أبطال القصة، ووظف جميع العناصر الفنية ببراعة لتقديم هذه الوجبة الفنية الدسمة.
أجاد فريق الممثلين في لعب أدوارهم، وفي مقدمتهم الفنانة القديرة سعاد عبدالله التي انسجمنا وتفاعلنا معها وهي تجسد شخصيتين متضادتين في الطباع والدوافع الإنسانية، فقدمت بخبرة وتناغم دور «نائلة» القوية المتسلطة على الجميع، وبحرفية عالية وتلقائية جسدت «بثينة» الطيبة المتسامحة مع نفسها ومع الآخرين، كما أبدع كل من باسم عبدالأمير، سعود بوشهري، روان المهدي، صمود المؤمن، عبدالعزيز صفر، وباقي الفنانين المشاركين، في تجسيد شخصياتهم باقتدار وتمكن.