يقول سيد الرعب ألفريد هيتشكوك: «الطريقة الوحيدة للتخلص من مخاوفي هي صنع أفلام عنها»، حيث تعد أفلام هيتشكوك من كلاسيكيات سينما الرعب والإثارة النفسية، فقد قلب موازين أفلام الرعب التقليدية، وتناول الرعب من منظور مختلف عما كان متداولا.
في زمننا الحالي، وبعد انتشار منصات التواصل الاجتماعي ومنصات العرض المدفوعة أصبح من الصعب إثارة خوف المشاهد الذي اعتاد على ثيمات الرعب الخاصة بمصاصي الدماء والمستذئبين والسحرة، لذلك توجب على صانعي هذه الأفلام البحث عن رعب غير معروف لإثارة بعض الخوف في هذا المشاهد الذي اعتاد كل شيء، وجذبه إلى قاعات السينما فقط ليشعر ببعض القلق والإثارة، وهو ما فعله فيلم «Smile»، والذي حقق وما زال يحقق نجاحات كبيرة في دور السينما منذ إطلاقه في سبتمبر الماضي، وسنتناول بالتحليل هنا أشهر فيلم رعب لسنة 2022 وأسباب هذا النجاح الساحق.
في البداية، لابد من الكلام عن الطريقة الغريبة والمتفردة التي تم ترويج الفيلم من خلالها، حيث شهدت بطولة الـ LMB الأميركية لكرة القاعدة، وجود بعض الأشخاص يبتسمون بطريقة مخيفة مقلقة، يمكن تسميتها «ابتسامة صفراء»، مرتدين قمصانا كتب عليها كلمة «Smile» طوال وقت المباراة، ما أثار قلق البعض وضجت جميع وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي بهذه الصور ليتضح أن ما حدث كان إعلانا ترويجيا عبقريا للفيلم المرتقب، والذي لا يزال يحقق أرقاما مرتفعة في شباك التذاكر في الولايات المتحدة وبقية العالم.
ولعل طريقة التسويق والترويج هذه كانت سببا في هذا النجاح، وتذكرنا بطريقة أخرى بنفس الابداع تمت أثناء الترويج لفيلم مارفل «Deadpool»، حيث تولت شركة سيارات أجرة عالمية مشهورة الترويج للعمل بطريقة مبتكرة، فكل من يطلب سيارة أجرة تصل له السيارة وداخلها «Deadpool» شخصيا مرافقا له لنهاية رحلته.
تقرر عرض «Smile» في البداية على منصات الإنترنت، ولكن بعد عرضه على مجموعة صغيرة من المشاهدين الذين أبدوا إعجابهم الشديد به، قررت شركة الإنتاج عرضه في دور السينما، وحاليا -كما أسلفنا- يتصدر الفيلم شباك التذاكر جانيا أرباحا تفوق بكثير كلفة إنتاجه.
يبدأ الفيلم أحداثه من إحدى المصحات النفسية، حيث تلتقي الطبيبة روز كوتر(سوزي باكون) بمريضة تدعى لورا ويفر(كاتلين ستايسي) تعاني من هلاوس غريبة، تحاول «لورا» شرح ما تمر به لطبيبتها في أثناء الجلسة، حيث تبدأ الكلام عن كيان غريب يتخذ أشكال أناس مختلفين تعرفهم لكن ما يجمع بينهم شيء واحد فقط ابتسامة صفراء شريرة، فجأة ومن دون أي سابق إنذار تبدأ «لورا» بالصراخ بألم شديد فتهرع الطبيبة لطلب المساعدة، ولكن حين تستدير تجدها تبتسم بطريقة مرعبة قائلة إنها ستموت وإن الجميع سيموتون، ثم تقوم بقتل نفسها بطريقة دموية، لتبدأ بعدها سلسلة من الأحداث المخيفة غير قابلة للتفسير في حياة «روز كوتر»، حيث تنقلب حياتها إلى جحيم حقيقي وتجبر على مواجهة ماضيها المؤلم كي تنقذ حاضرها، وسط عدم تصديق أختها وخطيبها والمحيطين بها لما يحدث بسبب تصرفاتها الغريبة غير المنطقية والتي لا تعلم لها سببا، فيما تحيط بها الابتسامات المخيفة، هذه الحبكة جعلت منه قصة رعب غير مطروقة بعيدة عن الابتذال.
تتسارع أحداث الفيلم بوتيرة مشوقة، تحفز المشاهد لما هو آت في محاولة لكشف غموض هذه الابتسامات المرعبة واستعادة الحياة الطبيعة للطبيبة، التي لا ذنب لها سوى محاولة غير مجدية لمساعدة مريضتها.
كتجربة إخراجية أولى، أثبت باركر فين أنه مخرج متمكن، ويستند الفيلم أساسا إلى فيلم قصير أخرجه باركر نفسه، تحت عنوان «Laura Hasn›t Slept» فقد تمكن من تحويل فيلمه القصير إلى فيلم روائي طويل مبهر بصريا، بكادرات رائعة وألوان قاتمة وانتقالات سريعة تواكب نوعية الرعب المقدم في العمل، حيث اعتمدت الأحداث على ما يسمى بالـ «Jump scares»، فقد جاءت هذه القفزات في أماكنها الصحيحة مبتعدة عن التكرار والملل، أضف الى ذلك الأداء المتقن والجميل من بطلة العمل سوزي باكون وحركة كاميرا باركر فين السريعة، وستضمن شعورك بالرعب عندما تشاهد الفيلم.
ليس من السهل أن تكون تجربتك الإخراجية الأولى فيلم رعب، لكن فين كان قادرا على المزج بين الابتسامة والأحداث الدموية المرعبة، فقدم بذلك رعبا من نوع مختلف تماما.
ومما لا شك فيه أن الموسيقى ركن أساسي ومهم في أي عمل سينمائي أو تلفزيوني، وهنا لم يعتمد صناع الفيلم على رعب الصورة فقط، بل كان لموسيقى العمل الاستثنائية دور مميز، فقد كانت الموسيقى التصويرية مرعبة بحد ذاتها حاملة لشعور الترقب ومهيئة للقادم في أي لحظة، ما جعل «Smile» تجربة سينمائية متميزة حمست الجمهور لدخول الفيلم في قاعات السينما، وقد نال النظام الصوتي الخاص بالفيلم أصداء إيجابية واسعة، ونقلت المشاهد إلى داخل أجوائه المخيفة المشوقة.
من أصعب الأمور على أي ممثل أن يقوم بدور الشرير أو الشخص المرعب، دون أن يظهر مهرجا مبتذلا، وقد استطاع أبطال العمل تحقيق هذه المعادلة الصعبة بالموازنة بين الأداء المقنع وتعابير الوجه المخيفة، خاصة أن الرعب في فيلم يرتكز على الابتسامة التي تبث الرعب في القلوب.
ولعل أفضل أداء يعود إلى بطلة العمل سوزي باكون التي جسدت ببراعة مأساوية دور الطبيبة «روز كوتر» الساعية دوما إلى مساعدة مرضاها ناسية نفسها وأزماتها وماضيها، والتي وقعت ضحية لأحداث لا تفسير لها جعلت حياتها جحيما مطبقا، ما يدفعنا إلى التعاطف معها والتعلق بالشخصية إلى نهاية الفيلم، ولابد من الإشادة بدور كاتلين ستايسي التي قامت بدور المريضة «لورا ويفر» والذي على الرغم من قصره إلا أن ابتسامتها ومشهد انتحار شخصيتها كانا أبرز مشاهد الفيلم والمحرك الأساسي لأحداثه.
على الرغم من بعض الانتقادات لكن لا يمكن إنكار أن «Smile» نجح نجاحا كبيرا وأصبح حديث «السوشيال ميديا» في كل أرجاء العالم، وقدم لنا رعبا أصيلا مختلفا في عالم أصبحت فيه أغلب أفلام الرعب أفلاما فاشلة مملة.
لا يحمل كل فيلم رسالة بالضرورة، بعض الأفلام تصنع لأجل الفن والتسلية، لكن لعل فيلم «Smile» حمل رسالة لكل أولئك الذين عانوا من صدمات نفسية كي لا يتجاهلوا ما مر بهم، ويغطوا على ألمهم بابتسامة مزيفة يواجهون بها العالم، كما فعلت «روز كوتر» التي لم تتعامل مع صدمة وفاة أمها المأساوية وحاولت مساعدة مرضاها في تخطي صدماتهم ناسية أن تتخطى صدماتها الخاصة.
في الختام، ينبغي القول بأن هذا الفيلم يعد تجربة ممتعة مسلية بعيدة عما عهدناه من أفلام الرعب، إنه قصة مؤلمة مقدمة في قالب من الرعب والكوميديا السوداء وبعض من الحقيقة، لقد بعث الفيلم برسالة توضح كيف يؤثر الخوف على حياتنا ويحيلها جحيما، وكيف ينبغي علينا التعامل مع دواخلنا، وان لكل إنسان أسراره وماضيه وخبايا نفسه، لكن لو فقد سيطرته عليها سينقلب الأمر عليه وعلى من أحبهم.