«هناك من الغيب ما أخفي عن البشر رحمة بهم»، إلا أن الشخصيات المجسدة في أفلام الرعب لا تعي تماما، بل إطلاقا، أهمية تلك الجملة، ومنهم بطلة فيلم «Barbarian» للمخرج والكاتب زاك كريغر، الذي نجح في إثارة الأدرينالين أثناء المشاهدة في أوقات كثيرة، وفي لحظات أخرى نقلنا إلى ما يعرف بمنطقة الأمان، الأمر الذي خلق شيئا من التوازن النفسي، ولكن ليس كثيرا.
و«Barbarian» أو «البربري» هو الإنسان المتخلف عن أبناء جنسه، البدائي القذر، والهمجي غير المتحضر، وأيضا هو القصة كلها في حكايتنا هذه، أي محور الرعب، وقد تصدى لأدوار البطولة في الفيلم، كل من جورجينا كامبل، وبيل سكارسغارد نجم فيلم الرعب «it»، وجاستن لونج.
وبالمناسبة، تلك العبارة التي استهل بها هذا المقال، هي للكاتب الأميركي «هوارد فيليبس لافكرافت»، الذي اشتهر بروايات أدب الخيال والرعب.
يأخذنا المخرج زاك كريجر من خلال فيلمه «البربري»، إلى منطقة برايمور المهجورة في مدينة ديترويت، عبر منزل غريب لا يشبه المنازل الأخرى المحيطة به، يجمع هذا المنزل المختلف عبر جدرانه ثلاث شخصيات لا شيء مشترك بينها، سوى أن القدر أراد اللعب معهم قليلا، واختبار مقدار الإنسانية لديهم، ومدى أنانية البشر في المواقف الصعبة، أو ربما محاسبتهم على فعل ما تم ارتكابه من قبلهم.
في ليلة ماطرة وساعة متأخرة من الليل، تصل إلى منزل ديترويت الشابة تيس (جورجينا كامـبـــل)، والـتـــي استأجرت المنزل عبر إحدى شركات الإيجار، لكنها سرعان ما تكتشف أن المنزل تم حجزه مرتين عبر أحد التطبيقات، وأن هناك رجلا غريبا وغامضا يدعى كيث (بيل سكارسغارد) سبقها ومكث فيه، بالنهاية ترضخ «تيس» لفكرة البقاء، حيث لا خيارات متاحة أمامها، وفي الغد لديها مقابلة عمل.
يتعرض كلا المستأجرين لحوادث غريبة في هذا المنزل، في البداية «تيس»، ما يجعل الشكوك تتجه صوب «كيث» على أنه البربري، لكن ما يتم اختباره من قبل الشابة الذكية والقوية والمندفعة، يدحض هذه الفكرة تماما، حيث تكتشف حبلا آتيا من حفرة في الحائط، ضمن قبو المنزل، يفتح بابا متواريا عن الأنظار، تقبع خلفه ممرات وغرف سرية تضم العديد من الحجج التي تتطلب حلا، والغوص فيها بحثا عن الإجابات، والتدخل في أمور لا تعنيك، لن تكون عواقبها حميدة، لذا من الأفضل تركها وشأنها، لكن ما رأي شركاء السكن في الأمر؟
يقدم كاتب ومخرج «Barbarian» زاك كريجر عملا مميزا، خصوصا على صعيد الإخراج، وهو الفيلم الروائي الطويل الأول له، ما يجعلك متحمسا لأعماله الإخراجية فيما هو قادم.
يجيد زاك عامل اللعب على الوقت، يعرف كيف يزج بنا داخل مشاهد الرعب، مع منحنا جرعة لا بأس بها من التوتر مع تلك المشاهد الظلامية، ونقلنا إلى مناطق الراحة والأمان مع مشاهد أخرى تنبض بالحيوية، والضوء، كما ذكرنا سابقا، ما يحقق التوازن النفسي لدى المتابع، فهو لا يحاول استهلاك الرعب وزرعه في كل جوانب الحكاية، بل يترك لك المجال لتلتقط الأنفاس، خاصة أن أفلام الرعب لا تنتهي بنهايات مفرحة، حتى وإن انتصرت الشخصيات الخيرة في نهاية المطاف وخرجت حية، فهي دائما ما تخرج مشوهة بفعل ما عاشت واختبرت.
على الرغم من وجود ثغرات على صعيد النص، تستغربها وتستهجنها، وتعجب لحدوثها، لكن تمكن زاك في نصه من الحفاظ على عنصري الغموض والإثارة في حبكته، وتقوية فكرة الرعب بمواضيع تحمل عمقا فكريا مجتمعيا، أهمها قضايا النساء والذكورية السامة مع اختلاف الأزمنة، من ثمانينيات القرن الماضي ولغاية الزمن الحالي، الزمن الذي تدور في فلكه القصة، مع إفساح المجال للخيال المشاركة في اللعب مع القسم الأول من الفيلم، ما أكسب المشاهدة متعة، وانجذابا حقيقيا للقصة بمجملها طوال العرض، وهذا الذي افتقدته غالبية إنتاجات أفلام الرعب للعام.
ومن العناصر التي جعلت الحكاية مقبولة ومرغوبة، الموسيقى التصويرية التي رافقت المشاعر المختلطة ومنها التوتر النفسي والخــوف، والـتـصـويــر السينمائي الذي أنصف الحكاية، وأيضا التجسيد الجيد للشخصيات من قبل الممثلين.
جدير بالذكر أن المخرج «زاك كريجر» عرض النص في البداية على عدة شركات إنتاج، لكنها لم تقتنع بالفكرة، ولم تتوقع النجاح الذي يمكن أن يحققه الفيلم، والأرقام التي سيحققها، حيث إن الفيلم الذي كلف إنتاجه 4.5 ملايين دولار، جاوزت إيراداته حاجز 43 مليون دولار حتى أواخر شهر أكتوبر الماضي، كما تحصل «Barbarian» على تقييمات جيدة.