في شؤون السياسة لا شيء يحدث أو يقال عبثا، فأي فعل يسبقه مليون مرحلة من التفكير والتكهنات حول الدوافع والنتائج والقدرة على تحمل ردود الفعل، وجرت العادة في السياسة أن ما يقال في الغرف المغلقة لا يخرج كله إلى العامة.
وهنا أعطيكم مثالا على ذلك، فمؤخرا تابعنا تفاصيل أزمة حقل الدرة الكويتي- السعودي، بعدما أعلنت إيران عن عزمها الحفر في مناطق ضمن حدود الحقل، ولمن لا يعرف أن هناك خلافا بين الكويت وإيران يعود إلى فترة الستينيات ويكمن ذلك في الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية، فالكويت تريد أن تطبق بنود قانون البحار ليكون ترسيم الحدود من الجزر الإيرانية إلى الجزر الكويتية، بينما تصر إيران على أن يكون ترسيم الحدود من الجزر التابعة لها إلى البر الكويتي، وهذا ما يعد مخالفة صريحة لقانون البحار.
وبالرغم من أن الخلاف حول الأحقية في حقل الدرة ليس بالأمر الجديد، وسبق لإيران أن أعلنت بشكل منفرد عن طرحها لمشروعات للحفر في ذلك الحقل ومحاولاتها المستمرة للتأكيد على أحقيتها في «الدرة»، إلا أن جميع محاولاتها تصل إلى «لا شيء» خاصة بعد الاتفاق الذي أبرم بين الكويت والسعودية حول ترسيم الحدود النهائي، وتوقيع الطرفين مذكرة تفاهم لتطوير الحقل عام 2019، إذاً الخلاف القديم نتائجه محسومة لجميع الأطراف ولا مفر من الالتزام بها من الجانب الإيراني، ويعلم العالم كله أن السيادة الوحيدة في هذا الحقل تكون لصالح الكويت والسعودية فقط، وهما صاحبتا الحق في الاستفادة منه.
ولكن، اذا كانت إيران تعلم جيدا أن كل ما تحاول إثارته وطرحه للرأي العام حول أحقيتها في حقل الدرة لن تفلح مساعيه، فلماذا تحاول إثارة الأمر الآن، فهل تتعامل إيران مع حقل الدرة على أنه بمنزلة «ورقة سياسية» تستخدمها لتحقيق أغراض أخرى، وبافتراض أن الأمر كذلك فلماذا أثير هذا الشأن في هذا التوقيت، في ظل وجود مؤشرات جيدة للعلاقة بين المملكة العربية السعودية وإيران، ومن المعلوم أن السعودية تتقاسم مع شقيقتها الكويت خيرات حقل الـــدرة، فهل تضع إيران عقبات أمام المرحلة الجديدة في علاقتها مع السعودية خاصة في ظل قيام وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان بلقاء نظيره الإيراني حسين أمير عبداللهيان في طهران، إلى جانب العديد من الاتفاقيات حول أشكال التعاون الاقتصادي بين البلدين، فهل ستضحي إيران بكل هذا؟!
هناك تخمين آخر يقول إن إيران تسعى حقا إلى زيادة حجم استثماراتها وتسعى للاستفادة من الحقل خاصة بعد انضمامها إلى منظمة شنغهاي للتعاون، واذا كان هذا التخمين حقيقيا، فمؤكد أن إيران قد أخطأت في حساباتها، فهي لا تمتلك أية حقوق في هذا الحقل، وتصريحات مسؤوليها لا تتماشى مع بروتوكول العلاقات الدولية، وتسعى للحصول على شيء ليس من حقها، وبالتالي فتحركاتها ستكون بمنزلة الهباء المنثور.
ونشيد هنا بموقف وزيري الخارجية الكويتي والسعودي اللذين اتفقا على توحيد الهدف والتحدث بلسان المصلحة المشتركة بين الدولتين الشقيقتين، وهذا ليس جديدا علينا حكومة وشعبا، فالبيانات الصادرة عن الجانبين أكدت أن للكويت والسعودية فقط حق الاستفادة والسيادة على ذلك الحقل، إلى جانب ما تم تداوله من أنباء حول قيام قوات خاصة من الجانب السعودي بتطويق حقل الدرة للتصدي لأية عمليات انتهاك.
نتمنى أن ينتهي الخلاف حول هذا الحقل بالطرق الديبلوماسية بعيدا عن أي تدخلات عسكرية، ولكن إذا ما دعت الظروف لذلك فكلنا رهن إشارة واحدة للتضحية بالغالي والنفيس دفاعا عن الكويت وكرامتها وسيادتها.
[email protected]