مفرح الشمري
يعد مسلسل «الطبعة» عملا دراميا تراثيا يحيي ذكرى واحدة من أعظم الكوارث التي واجهها أهل الكويت في تاريخهم البحري، وهي سنة الطبعة. تعود أحداث المسلسل إلى كارثة حقيقية وقعت في عام 1871م، حين باغتت عاصفة هوجاء مراكب الكويتيين أثناء رحلاتهم التجارية في بحر العرب، بعد خروجهم من موانئ الهند. كانت الكارثة مدمرة، إذ أودت بحياة عدد كبير من البحارة وغرقت على أثرها العديد من السفن، مما ترك أثرا قاسيا على المجتمع الكويتي برمته. ومع ذلك، أظهر أهل الكويت عزيمة فريدة في تجاوز هذه المحنة، واستمروا في كفاحهم عبر عباب البحار بحثا عن الرزق.
يمثل المسلسل إعادة إحياء لهذه الحادثة التاريخية المهمة، وهو من تأليف وإنتاج الكاتب مشاري حمود العميري، وإخراج محمد الطوالة. شارك في هذا العمل نخبة كبيرة من نجوم الدراما من مختلف دول الخليج، منهم الفنان غازي حسين من قطر، وعبدالله ملك من البحرين، ويوسف الدامغ وعادل الضويحي ونوف عبدالله وأميرة الخبوبية من السعودية، ومن الكويت أحمد مساعد وعبير الجندي ومحمد العجيمي والطفل علي الصالح، ما يعكس روح الوحدة والتعاون الخليجي في تسليط الضوء على الإرث المشترك.
يروي المسلسل تفاصيل تلك اللحظات المؤلمة بأسلوب درامي مؤثر، حيث يستعرض حياة البحارة الكويتيين وعائلاتهم الذين كان رزقهم معتمدا على البحر. يظهر العمل الصعوبات التي واجهها أهل الكويت في تلك الحقبة، من عواصف البحر وأهواله، إلى الفقدان المفجع للأحباب، فلم تكن «الطبعة» مجرد حادثة، بل كانت رمزا للفاجعة التي اختبرت عزيمة هذا المجتمع البحري الصغير.
على الرغم من المأساة، يحمل المسلسل رسالة عميقة عن الصمود والمثابرة، حيث يبرز كيف تجاوز الكويتيون تلك المحنة المدمرة، فلم تمنعهم الخسائر الفادحة من العودة إلى البحر واستئناف حياتهم سعيا وراء الرزق. يستعرض العمل هذه الروح القتالية والإيمان العميق بأن الحياة لا تبنى إلا بالكفاح والتحدي، وهو ما يشكل جوهر الهوية الكويتية.
يمتاز المسلسل بالدقة في تقديم الموروث البحري الكويتي، بدءا من تصوير السفن التقليدية (البغلة والبتيل والبوم والشوعي)، ومرورا بالأزياء والمصطلحات التراثية، وصولا إلى إحياء الأهازيج البحرية (النهمة) التي كانت تواسي البحارة وتشد من أزرهم في عرض البحر. يظهر العمل التفاصيل اليومية لحياة البحارة وأسرهم، ما يخلق صورة حية للماضي تعزز من فهم الأجيال الحالية لقيمة الإرث الثقافي الكويتي.
يمثل مسلسل «الطبعة» أكثر من مجرد عمل درامي، فهو وثيقة فنية تسلط الضوء على فصل من تاريخ الكويت يحمل في طياته معاني الصبر والإصرار. إنه تكريم لأرواح البحارة الذين فقدوا حياتهم، وتقديرا لجهود من أعادوا بناء المجتمع بعد الكارثة. وتظل «الطبعة» تذكيرا قويا بأن البحر، رغم قسوته، كان دائما شريكا للكويتيين في بناء مستقبلهم وحياتهم.