(التثبت من الأخبار)
قال عزّ وجلّ (ياأيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين).
هذا النداء الثالث للتدليل على أهمية ما يقال بعد هذا النداء، هذه الآية كلها لك انت شخصيا، منظومة اخلاقية انت مطالبة بها من الله لتنفيذها في حياتك اليومية، وليست فقط طقوسا دينية تقومين بها فتنتهي عند انتهاء زمنها ووقتها. والآن ما يحدث في وسائل التواصل مصيبة لأن الفسقة كثر فيها وأهل الخير لا يتثبتون مما يقال فيها. فيأتيك الخبر فتقولين خبر لا ثقة عن ثقة فمن هم اذن؟ فتبيني قبل ان تصدقي الأخبار وقبل ان تنقليها فتنالين جزءا من الإثم الكبير الذي نهى الله عنه.
لا تصدقي كل ما يقال
في هذه الآية ايضا سبب لحرب كادت ان تكون بين المؤمنين، فقد اشيع في المدينة ان هناك قوما من أهل المدينة في أطرافها قد ارتدوا عن الإسلام وأنهم ليسوا بمسلمين وأنهم قد اختل دينهم ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم صحابيا لهم، هذا الصحابي كان بينه وبينهم ايام الجاهلية خلاف، فجاءه رجل فقال ان هؤلاء القوم قد ارتدوا وسيقتلونك، فجاءه رجل يحذر النبي ان القوم سيقتلونه وهذا الرجل كان فاسقا يريد الفتن، ويعرف ان بينهم في الجاهلية عداوة فأراد ان يثيره، فرجع هذا الرسول للرسول صلى الله عليه وسلم فقال ان القوم يريدون قتله فكادت ان تقع حرب بين المسلمين لولا ان عصم الله عزّ وجلّ الدماء بأن أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من يتثبت من هذا الخبر فذهبت الفتنة وأغاظ الله أصحابها. لذلك على المؤمن ان يتبين اذا جاءه خبر لا يصدقه أول ما يسمعه، فالمؤمن كيّس فطن، حتى الإنسان لا يقبل الخبر من اي احد حتى لا يصدر حكمه فيتهم بريئا، فلا نقبل الأخبار التي تصلنا برواية فلان وقالت فلانة فإذا بنا قد اتهمنا أناسا ليسوا بمتهمين وحكمنا عليهم بظلم استوينا نحن فيه والظالم في نقل الخبر. فالإنسان عليه ان يربأ بنفسه ليس فقط يتأكد، وأذكركم بترك الأخبار التي نسميها اخبارا اجتماعية لا ننشغل بها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه ملا لا يعنيه» نعم واجب عزاء اخبر عنه أذهب وأعزي، زواج أعرف به أذهب وأهنئ لكن هذه الأخبار التي تعرفونها ليست من شأني كمسلمة نعرفها او ان يقال لي بها أو ان اسمعها نربأ بديننا وأنفسنا من هذه الأخبار الكاذبة التي يطلقها البعض فليكن شعارك في المجالس وفي وسائل التواصل (فتبينوا) قبل الكلام وقبل النشر تأكدي.
آداب مشروعة
يقول الحافظ بن كثير: يأمر الله تعالى بالتثبت من خبر الفاسق ليحتاط له لئلا يحكم بقوله فيكون في نفس الأمر كاذبا او مخطئا فيكون الحاكم بقوله قد اقتفى وراءه، وقد نهى الله عن اتباع سبيل المفسدين، ومن ها هنا امتنعت طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبلها آخرون لأننا إنما امرنا بالتثبت عند خبر الفاسق وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال.
وقال السعدي: وهذا ايضا من الآداب التي على أولي الألباب التأدب بها واستعمالها وهو أنه اذا اخبرهم فاسق بخبر أن يتثبتوا في خبره ولا يأخذوه مجردا فإن ذلك خطرا كبيرا ووقوعا في الإثم فإن خبره اذا جعل بمنزلة خبر الصادق العدل، حكم بموجب ذلك ومقتضاه، فحصل من تلف النفوس والأموال بغير حق يسبب ذلك الخبر ما يكون سببا للندامة، بل إن الواجب عند خبر الفاسق التثبت والتبين فإن دلت الدلائل والقرائن على صدقه عمل به وصدّق، وإن دلت على كذبه كذّب ولم يعمل به ففيه دليل على ان خبر الصادق مقبول وخبر الكاذب مردود وخبر الفاسق متوقف عليه.
تتحدث سورة الحجرات عن:
٭ أدب التعامل مع الله ورسوله.
٭ التعامل مع الفسقة والتثبت من الأخبار.
٭ قتال الفتنة بين المسلمين والصلح بينهم وقتال الفئة الباغية.
٭ النهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب.
٭ النهي عن سوء الظن والتجسس والغيبة وتذكير الناس بأصلهم وأن التقوى أساس التفاضل.
(ألقيت هذه المحاضرة في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء)