كثيرة هي الأصوات التي تنادي بالحريات داخل قاعة عبدالله السالم من النواب أو من التيارات السياسية لكن شتان بين القول والفعل، فلقد كان واضحا للجميع شدة وزارة الداخلية والحكومة على مسألة منع الندوات في الدواوين ولم يحرك الكثير منهم بنت شفه، ولعل تواجد مدرعات القوات الخاصة وآلياتها العسكرية وعناصرها المدججين بالسلاح والدوريات التي سدت المداخل والمخارج لتلك الدواوين ومنع الوصول لها بزعم ان تلك الندوات خطر على السلم الأهلي أمر يعطي إشارة واضحة لأسلوب قمعي وتعسف في استخدام السلطة وهو فعلا لا نراه إلا في الدول الاستبدادية.
وبعد أن وجدت هذا الفعل الغريب في الشعب الكويتي قرأت مقالا كتبه الزميل داهم القحطاني في مدونته وهو ينادي لعقد ندوة للانتصار للمادة 44 من الدستور في ساحة الإرادة، فاتصلت به وأثنيت على الفكرة وأبلغته بأنني كفيل بأن ترى فكرته الواقع وعلى أرض ساحة الإرادة، فاتفقت معه على عقد الندوة في يوم الثلاثاء 12 أكتوبر 2010 أي بعد ما يقارب الأسبوع من اتصالي به حتى يتسنى لي الاتصال بجميع القوى السياسية في الكويت باختلاف توجهاتها وانتماءاتها وكذلك الاتصال بجميع النواب المنادين بالحريات، فقمت بالفعل بالاتصال بجميع التيارات السياسية كالمنبر الديموقراطي والحركة الدستورية والحركة السلفية والتجمع السلفي وحزب الأمة وقوى 11/11 وتجمع العدالة والسلام والجمعية الثقافية ومظلة العمل الوطني، ثم اتصلت بـ 22 نائبا يمثلون جميع الدوائر والكتل السياسية ككتلة التنمية والإصلاح وكتلة العمل الشعبي وكتلة العمل الوطني والنواب المستقلين من السنة والشيعة، وجميعهم أكدوا لي موافقتهم على حضور الندوة بلا استثناء بل وأشادوا بالفكرة وباركوها.
وبعدها قمت بالاتصال على مجموعة من الخبراء الدستوريون وأساتذة القانون لكي يكونوا مشاركين في الندوة وهم في الحقيقة من أسعفوا الندوة بتواجدهم، وقبل عقد الندوة بثلاثة أيام اتصلت بمدير أمن العاصمة لأخبره برغبتي في تواجد بعض رجال الأمن في ساحة الإرادة وقت انعقاد الندوة كي يحافظوا على الأمن ويساعدونني على إنجاحها، إلا انه أبلغني بضرورة الاتصال بالوكيل المساعد لشؤون الأمن اللواء د.مصطفى الزعابي وهذا ما تم، فلم أجد عند هذا الرجل إلا نبل الشجعان وسماحة الأبطال فلقد كان رجلا خلوقا راقيا لدرجة لا توصف، وفي النهاية عقدت الندوة في ساحة الإرادة في وقتها ومكانها لنسجل موقفا ونؤكد على حقنا الدستوري في عقد الندوات دون خوف أو وجل، غير أنه جدير بالذكر اتصل أكثر من نائب كان أكد لي حضوره للندوة لكنه اعتذر متذرعا بأن لديه معلومات بأن وزارة الداخلية ستعتقل جميع من في ندوة ساحة الإرادة حتى النواب لأنهم بلا حصانة في الوقت الحالي نظرا لإجازة المجلس، والمفاجأة أن معظم التيارات السياسية لم تحضر ولعل السبب خوفهم من الاعتقال رغم تأكيدهم لي أنهم سيحضرون بل إن بعضهم حضر بسيارته وحين رأى التواجد الأمني ولى مسرعا، ولم يحضر الا ممثل كتلتين من مجلس الأمة أحدهما نائب حالي وآخر سابق أما التيارات السياسية فقد خذلتنا مع الأسف ولم يحضر منهم إلا 3 وكان عزاؤنا هو التواجد القانوني والدستوري الكثيف للشخصيات القانونية التي حضرت بكثافة لعلمهم أن الوضع قانوني ودستوري ولإيمانهم بمبدأ الحريات قولا وفعلا.
في رأيي أن المنتصر في هذه الندوة هو وزارة الداخلية أكثر من غيرها، فلقد تعاملت الداخلية مع الندوة في غاية الرقي والاحترام الذي عكسه تواجدها الأمني النسبي للحفاظ على الأمن لتوصل للجميع رسالة مفادها أن الداخلية لم تمنع الندوات الفكرية الهادفة إنما منعت الندوات ذات البعد الطائفي أو التي تمس النظام العام، ولعل هذا الرجوع للحق الذي بدر من وزارة الداخلية يجب علينا أن نسجله لهم وهو موقف جاء نتيجة إيمان قيادات الداخلية بالحريات التي كفلها الدستور، لكنها في نفس الوقت ترفض المساس بالأمن الوطني.
[email protected]