تعاني مجتمعاتنا من قلة التخطيط الناجح وكثرة التخطيط الفاشل إن جاز التعبير، كذلك قلة المخططين وندرتهم وكثرة المخططين الفاشلين وتوافرهم وكثرة المحاضرات وورش العمل عن التخطيط الاستراتيجي وقلة الفهم والإدراك والاستيعاب للتنظير الواقع في محاضراتنا وندواتنا مع الأسف.
ان خططنا الوطنية واحدة جميعها يبدأ بالتخطيط فيستنفذ الجهود ويستنفر الإمكانات ويستهلك الإعلام والإعلان ويهدر الوقت، والنتيجة واحدة وهي أن جهود كل من يعتلي صهوة التخطيط هو الفشل الذريع ومن دون قياس علمي للنتائج، وهذا انطباع فما بالك لو تم فعليا قياس الخطط الوطنية وانتقلنا من الفرضيات إلى الحقائق والوقائع والأرقام.. اعتقد ستكون كارثة.
إن الفرق بين التوقع (prediction) والتدابير (projection) وهما من عمليات التنبؤ (forecast)، والفرق بين التخطيط الاستراتيجي والاستراتيجية (strategic planning & strategies)، هو ان التوقع يعبر عن وجهات النظر العامة لما يمكن أن يحدث في المستقبل وتقدر بالآراء الخاصة وفق حسبة التفكير الفردية أو الجماعية وعادة وجهات النظر هذه لا تتدخل في محاولة السيطرة على ما سيكون عليه المستقبل أو تحاول تغييره وتأخذ وقتا طويلا لتكون وجهات النظر قناعة مشتركة، ثم اتجاه عام يعمل على التغير والتوجيه للمستقبل وفق الإرادة العامة، اما التدابير فهي الآراء المتفق عليها والتي تقوم على سلسلة من الفرضيات العلمية والحجج المنطقية ودراسة الاحتمالات ونتائجها الحتمية أو غير الحتمية احتمالات مرتبطة بقرارات وخطوات وإجراءات منتظمة ومنظمة ان اتخذت حسب المخطط لها ضمنت النتائج فيما عدا مشيئة الله ومراده.
أما التخطيط الاستراتيجي والخطة الاستراتيجية والفكر الاستراتيجي والتفكير العلمي لتخطيط المستقبل فتحتاج الى نضج الخبرة في مجتمعاتنا وتحتاج الى ثقافة خاصة تبدأ بثقافة الرؤية الكلية للأمور وثقافة المعيارية او الاستهداف الكمي والنوعي واتباع نشر التقارير الدورية بشفافية ونزاهة والابتعاد عن سرية المعلومات عدا معلومات الامن الوطني، هي ثقافات تتطور عبر الزمن، وتعتمد على مستوى مناهج التعليم والتربية وأطر التفكير، ونحن حقيقة بعيدين عنها في الوقت الواضح فالخلل استشرى، وذلك ليس تشاؤمنا ولكن قناعة شخصية لتشخيص واقع مرير.
إن الكويت فيها من الخبرات والقدرات الكثير إلا ان وجود هيئة تخطيط وطنية تجمع الخبرات وتوظفها مبتعدة عن آلية عمل أو فكر الوزارات التقليدية، وتبتعد في رئاستها عن منصب أي وزير ستكون اضافة الى تحسين واقع التخطيط في الكويت وتوجيه صناعة مستقبله، تعمل هذه الهيئة على تحديد الغايات الوطنية وبشكل أكثر شراكة مما يحصل اليوم، لقد لجأنا الى اليابان لتبادل الخبرة ولم نلجأ الى كفاءاتنا الوطنية الموجودة في شتى القطاعات في مؤتمر وطني يساهم فيه النخبة من كفاءات الكويت وهذا مدعاة للاستغراب حقيقة.
بل أكثر من ذلك أن لدينا جارة عملاقة في التخطيط وعملاقة في صناعة المستقبل مستقبل وفق ما تريد ووقت ما تريد مستقبل «صنع في دبي» جارة لا أملك إلا ان اقف لها اعجابا واحتراما، ففي كل مرة أقرا صحيفة او أتابع خبرا أو إعلانا أرى بهجة النصر لتحقيق توقع ما الى واقع محدد، نعم انها دبي البلد النموذج في جعل الأفكار واقعا ملموسا، ان خبرة دبي في التخطيط خبرة غير عادية خبرة استثنائية لكنها بفخر خبرة خليجية وخبرة تتطلب منا الوقف عليها ودراستها، واستشارتها لتحسين واقعنا، لقد أطلقت الإمارات مؤخرا استراتيجية الابتكار التي تضم 30 مبادرة وطنية تنفذ خلال 7 سنوات تضمن معها مستقبلا مصنوعا دفتريا ومصنوعا بالرؤية فبالتوفيق يا أهل الإمارات.
لقد تجاوزت الإمارات مرحلة التنبؤ الى التدابير وتجاوزت التخطيط الى الاحتراف في وضع المبادرات وتطبيقها وقياسها بل رفعت معايير القياس الى القياس العالمي وتعجز كلماتنا في تقدير الخبرة في التخطيط والتنفيذ، لذلك أتمنى في هذا المقال أن تستفيد الكويت بلدنا الحبيب من الجارة العملاقة ولتسفيد الكويت بلدنا الغالي من كفاءاتها الوطنية التي تقول دائما: «لبيه يا كويت»، ولتسفيد الكويت من دعوتنا المتواضعة بإعادة هيكلة المجلس الأعلى للتخطيط واستبداله بالهيئة الوطنية للتخطيط واستبعاد شبح إدارة الوزارات التقليدية عن مؤسسات التنمية، لنصنع مستقبلا أمثل لكويت أجمل.
والله ولي التوفيق
[email protected]