«إن مجاعة الفكر اليوم أفجع من مجاعة العيش ـ على شريعتي»، يتغنى الجميع بأوطانهم وكل ينسب نفسه لبلده ومستقره، يحسب أن الوطن هو مسقط رأسه أو مكان سكنه، لا أنكر أن الوطن هو الأرض التي يستقر فيها الإنسان ويعمل ويكدح ولكن هذا الوطن يتغير بتغير المصالح والاحتياجات، فانتقال الفرد بين بلد وبلد ما هو إلا بحث عن الاستقرار المعيشي والمادي فهنا الوطن يعتبر وطنا وقتيا ينتهي بانتهاء المصلحة والغاية من العيش به، فهذا حال الجميع بلا استثناء، فلا نتزايد فيما بيننا على التغني بالأوطان والانتماء اليها، ما لا يجب ان نتزايد عليه هو الوطن الحقيقي الذي إن حفظناه حفظنا الموطن والبلد الوقتي الذي ينتهي بانتقال مكاني كهجرة او سفر او انتقال زماني وهو الوفاة وترك دار النقلة الى دار الاستقرار.
ما أسمية الوطن الحقيقي هو ثقافة الفرد ومعرفته حيث ان الثقافة هي موطن العقل والروح التي أمست يتيمة بين كتبها وعلمها، يظن البعض ان الثقافة هي الدرجة العلمية التي يصل إليها ويحصل عليها في سنوات يقضيها بتعب المذاكرة.. لا هذه الدرجة العلمية استطيع الحصول عليها بوقتنا الحاضر بأسهل السبل وبمقابل مادي وإن كان كثير لا يذكر بدرجة علمية وهمية حصل عليها، ولكن نأتي الى محور الحديث وهو الثقافة.. ثقافة الفرد وطنه، فمتى كان يعي معنى الثقافة فانه يكون مواطنا ذا رقي وفكر يعمل من خلاله على تطوير الوطن المكاني الذي يستقر فيه.
فثقافات البشر تختلف وتتعدد بتعدد ميولهم ومعتقداتهم.. والبعض ينسب ثقافته لدين او مذهب لا يعرف منه غير القشور فيبدأ بالإضافة والتنقيص بحسب أهوائه وحاجاته المادية غاضا الطرف عما سينسبه الى هذا المذهب او الجماعة التي انتمى إليها.. وهنا نستطيع ان نقول ان عقولهم أعجاز نخل خاوية.
الثقافة التي يدعيها الفرد هي ما يتم انعكاسه على سلوكياته ونهجه بهذه الحياة وتبقى وتتطور بعد رحيله، لذا نجد الجماعات التكفيرية والارهابية تجد لها موطنا بالثقافة والمنهج الذي تتبعه في سلوكياتها حيث تعاني من مجاعات فكرية حقيقة لا تشبعها مأكلة .
فلا تجعل أسماء الدول ترتمي بين الأفواه، هذا من الوطن الفلاني وهذا من البلد الفلاني.. فالتطرف الديني والارهاب لم يكونا من بلد واحد وإنما تعددت الأراضي والبلدان، ولكن توحد الفكر والارهاب وظهرت الثقافات.. فوطني الحقيقي ثقافتي وليس مسقط رأسي.
[email protected]