بعد عهد طويل من الروتين الممل والبيروقراطية العمياء بزغ فجر القانون 109 لسنة 2013 في شأن إنشاء الهيئة العامة للقوى العاملة، فكان البلسم لعلاج الكثير من المشكلات المرتبطة بالعلاقة مع الشركات والعمالة الهامشية والسائبة، وضعف الرقابة، وعدم وجود رؤية إستراتيجية بعيدة المدى لواقع العمالة على أرض الكويت.
وبالفعل، ومن دون أي مبالغة، استطاعت هذه الهيئة خلال فترة قصيرة من الزمن أن تعيد ترتيب البيت الداخلي، وتضطلع بالكثير من المهام، وتقدم الحلول للكثير من العوائق التي كانت تقف سدا منيعا في وجه تحسين واقع العمالة على أرض الكويت والظروف المحيطة بها، وخصوصا تلك التي كشفت عنها التقارير الصادرة من الخارجية الأميركية والجهات الدولية المعنية بحقوق الإنسان، فأخيرا بات للعمالة في القطاعين الأهلي والنفطي هيئة عامة تقوم على متابعة أمورهم وتحسين واقع معيشتهم.
ولا أكشف سرا إن قلت: لقد باتت للمقيم حقوق أكثر من السابق، وضمانة مستقبلية له، وأمن أسري ونفسي بعد صدور قرارات متتالية ضبطت عمليات التلاعب، وحاصرت الشركات الوهمية وعرتها أمام المجتمع، ضمن اطر قانونية منحت المفتشين صفة الضبطية القضائية، إلى جانب أن هناك جهة تقف مع الحق ولا ترضى بظلم أي جنسية.
نعلم جميعا أن الكويت وضعت خطة إستراتيجية تنموية بعيدة المدى، وتم التحرك على أعلى مستوى للعمل الجماعي، وهذا في حد ذاته تطلب وجود هيئة تعنى بشؤون العمالة، وتأخذ بعين الاعتبار الاستثمار في القطاع البشري، وتضع نصب عينها مسؤوليات كبيرة على رأسها تنظيم سوق العمل، وتطبيق القانون بحذافيره لما فيه المصلحة العامة وإنهاء الظواهر السلبية والحد من العمالة السائبة والهامشية التي تقض مضاجع الكويتيين وتهدد الأمن العام.
إن منح الهيئة للعمالة حقوقها كاملة، وتحسين واقع العمل وتوفير الحياة الكريمة للمتعاقدين، وردع الشركات الوهمية، وتشكيل اللجان للتخطيط وتقدير الاحتياجات وحصر المواقع، سيكون لها أثر كبير في النهضة التنموية المستقبلية، وهذا ما يجعل المهام الملقاة على كاهل الهيئة كبيرة وبحاجة إلى استغلال الوقت بالصورة المثلى واتخاذ القرارات السديدة للوصول إلى ما نصبو إليه من أهداف.
نعلم جميعا أن الكويت هي «مركز للعمل الإنساني» باعتراف الأمم المتحدة، وذلك بسبب العديد من الإنجازات التي حققتها في هذا المجال، وأبرزها إنشاء الهيئة العامة للقوى العاملة، وإصدار قانون العمل الجديد، ووضع خطة إستراتيجية لتنظيم العمالة والمحافظة على حقوقها، ما أحدث نقلة نوعية انعكست إيجابا على واقع الخدمات المقدمة.
٭ كلمة أخيرة: هيئة القوى العاملة كغيرها من السفن الحكومية التي تبحر في خضم التنمية المنشودة بدولتنا الحبيبة، ولأن مديرها وقبطانها الأخ جمال الدوسري أثبت نفسه «الرجل المناسب في المكان المناسب» فإن ما رأيناه خلال الفترة الماضية من تسريع وتيرة العمل، وزيادة جرعة الرقابة التفتيشية، وخصوصا في المحافظات التي تعج بالعمالة الوافدة، يجعلنا نرى فيه بحق نموذجا يحتذى في الإخلاص والوفاء لوطنه وللمبادئ والقيم الإنسانية التي تتشرب من روحها قوانين العمل.