لم أكن أعلم أن دعوة صديق لي للجلوس في أحد المقاهي لاحتساء كوب من القهوة ستكشف أمامي مشهدا لم يكن مألوفا في يوم من الأيام، ففي وضح النهار وأمام الخلائق أجمعين جمع من المراهقين والمراهقات والبويات والشاذين جنسيا يرفعون الأصوات بالضحك والسخرية ويشربون الشيشة دون خجل أو وجل من رقيب أو حسيب، وعلى أطراف المقهى فتيات وشباب يجلسون في كبائن مغلقة لا يعلم ما يحدث فيها إلا الله.
ليت هذا الاتصال لم يأتني، وليتني لم أدخل إلى ذاك المكان، ولكنني حمدت الله تعالى أنني رأيت هذا المشهد المقزز لأكون رسولا للأسر الغائبة والمغيبة عن أبنائها وبناتها، فلا شك أن هذه المشاهد لم تكن لتحدث لو كانت الرقابة الأسرية حاضرة، لو كان البيت قائما على التربية الصحيحة والمنهج القويم، لو كان الأب والأم على توافق تام وتباحث يومي وسؤال مستمر للأبناء عن التحركات والأصدقاء.
هل هو الترف الذي قاد هؤلاء لينسوا كيف بنيت الكويت بسواعد أجدادهم، وعرق آبائهم؟ أم أنه المال الذي وضع في جيوبهم ولم يشعروا يوما بمرارة جمعه؟ أم هو الإهمال الذي يلقونه من المجتمع وغياب الفرص الحقيقية للإبداع والعمل؟ أم انها البطالة وانتظار طابور التوظيف الذي أنهك كاهلهم ودفعهم للتسكع وارتكاب الأفعال المنافية للأدب والحشمة؟ أم أنه الجهل الذي جعل منهم لقمة سائغة في أفواه أصدقاء السوء؟ ومع أن الأسباب مهمة جدا للعلاج، إلا أن هناك من العلاجات ما يناسب الجميع من دون البحث عن الأسباب، وأولها توعية الآباء والأمهات بأن هؤلاء الأبناء أمانة يجب المحافظة عليها، ثم استنفار الجمعيات العاملة في المجال الاجتماعي والمدني بجميع طاقاتها لابتكار أساليب نستفيد بها من طاقات الشباب، وفتح مجال الاستثمار والعمل التطوعي أمامهم ليشعروا بأن المال لا يتم الحصول عليه بالسهولة التي يظنونها، وتدفعهم لصرفه دون أي تفكير.
وبعد أن نفعل الرقابة ونزيد جرعاتها، علينا أن ننتشل هذا الشباب التائه ونمنحه أملا في مستقبل واعد، من خلال فتح باب القطاع الخاص والجمعيات التعاونية للاستفادة من قدراتهم وسد الفراغ الحاصل في بعض الأعمال ومنحهم راتبا مقابل الخدمة التي يقدمونها، أو من خلال تشكيل مجموعات تعنى بمتابعة الأبناء وإرشادهم إلى الطرق الصحيحة للسلوكيات الحياتية، دون استثناء أي شاب أو فتاة، إضافة إلى إطلاق الدورات التدريبية وإشراكهم في صناعة المستقبل والقرار من خلال اختيار ممثلين عنهم للتواصل مع أعضاء مجلس الأمة ونقل همومهم ومشاكلهم والعمل على حلها تشريعيا.
إن تطوير الذات وتوجيه القدرات وإشعار الشباب بقيمتهم وأهميتهم وانتشالهم مما هم فيه ستجعلهم طاقة بالإمكان الاعتماد عليها في كل شيء، فالجيل الذي نراه اليوم تائها، لن يستطيع بأي حال من الأحوال أن يحافظ على مكتسباتنا وهذا يدفعني لدق ناقوس الخطر وإطلاق النفير العام للجميع ليقوم بمهامه على أكمل وجه فالاستثمار في الشباب هو أفضل استثمار على وجه الأرض.
لماذا ننظر بحسرة دائما إلى الدول المجاورة ونحن نراها تهتم بأبنائها منذ الصغر، متى ستعي الأسرة أن فلذات أكبادها هم المعول عليهم في بناء الدولة، ولذلك لابد من استثمارهم ليكونوا عامل عز وفخر لآبائهم وأمهاتهم ومجتمعاتهم ودولتهم، حتى يشعروا بالفخر لانتمائهم لهذا الوطن الذي وفر لهم كل ما يريدونه، وعليهم مسؤولية التحرك وتفجير الطاقات الكامنة والنزول لسوق العمل ليعلموا أهميتهم وأهمية الوقت الذي يضيعونه في اللهو واللعب.
قبل توجيه اللوم إلى الجهات المعنية في الدولة، فإن المسؤول الأول هو البيت الذي يخرج منه ذلك الشاب أو تلك الفتاة، وهنا لا أعمم على الجميع، لكن من رأيتهم في ذلك المقهى، وكل من على شاكلتهم.
لسنا مستعدين أن نخسر المستقبل، ولا أن نرى أبناءنا يرتمون في أحضان الفساد والانحلال الخلقي، فالمسؤولية عامة وعلى الجميع التعاون، ومن المهم أن أذكر أن كرة الثلج مخيفة، ولكن إذا استطعنا منعها من أن تكبر فلن تهدم ما بنيناه على الإطلاق، وهذه الصرخة ليتها تجد أذنا تسمعها، وقلبا يعي خطرها.