بيروت: الأزمة السورية بدأت أزمة داخلية بين نظام ومعارضة، تطورت سريعا نحو أزمة إقليمية «تورطت فيها» كل دول الجوار بشكل مباشر أو غير مباشر، والآن تدخل هذه الأزمة مرحلة جديدة «التدويل» بعدما اكتسبت كل مواصفات وعناصر «الأزمة الدولية» الرقم واحد حاليا.
وثمة ثلاثة عوامل دفعت الى تدويل الأزمة السورية وهي حسب التسلسل الزمني:
٭ تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» الذي اعتبر منذ ظهوره المفاجئ خطرا إرهابيا على الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، ونشأ في مواجهته تحالف دولي فضفاض وغير فعال.
٭ أزمة المهاجرين الى أوروبا التي أدت الى حالة استنفار أوروبي وإيقاظ كل الهواجس والمخاطر، بما فيها «المهاجرون الوافدون بالآلاف». وهذا الواقع الأوروبي المستجد شكل حالة ضاغطة في اتجاه حل الأزمة السورية وزيادة حجم الحرب ضد «داعش».
٭ التدخل العسكري الروسي المباشر الذي تطور سريعا من إرسال أسلحة نوعية وخبراء وأنظمة دفاعية جوية وطائرات مقاتلة، الى انخراط في العمليات الحربية الجوية التي تبدو ممهدة لعمليات برية لاحقة يقوم بها الجيش السوري وحلفاؤه على الأرض، وفي إطار تحالف رباعي أعلن حديثا ومركزه في بغداد ويضم روسيا وإيران والعراق وسورية، وهذا التحالف ليس استخباراتيا أمنيا وإنما أيضا تحالف عسكري سياسي.
الوضع في سورية دخل مرحلة جديدة يراها البعض أكثر خطورة وتعقيدا من قبل لأن التدخل الروسي سيزيد قوى التطرف وحجم المساعدات المقدمة لها من دول معترضة على هذا التدخل، وهذا سيؤدي الى إطالة أمد الحرب والى تورط روسي في المستنقع السوري والى «أفغانستان ثانية». وبالتالي دخول سورية مرحلة جديدة هي خليط بين «الصوملة» و«الأفغنة».
وهناك من يرى في المقابل أن الدخول الروسي يسرع وتيرة الحل السياسي «المدول» بعدما أصبحت الأزمة السورية مصدر خطر ملموس على المصالح الإقليمية والدولية.
وهذا الحل ينطلق من تفاهم روسي أميركي ويرتكز على ثلاثة عناصر أولها تجميد الصراع ورسم حدود القتال وخطوط الحل، وثانيها التفاهم على الانتقال السياسي ومعضلة بقاء الأسد أو رحيله في مرحلة التفاوض أو في المرحلة الانتقالية، وثالثها هو تشكيل تحالف ضد «داعش» على أساس قرار دولي في مجلس الأمن وتعاون أميركي ـ روسي.
الأزمة السورية دخلت مرحلة جديدة. وروسيا أيضا دخلت مرحلة جديدة في استراتيجيتها الدولية. اقتحمت مسرح الشرق الأوسط من الباب السوري الضيق ولكن عبر خطة واسعة النطاق والأهداف وطموحة. التدخل العسكري الروسي في سورية هو ثاني تدخل عسكري كبير يبادر إليه الرئيس بوتين خلال سنة ونصف بعد احتلاله شبه جزيرة القرم.
إنه مشهد جديد في المنطقة، جديد في قواعد اللعبة والصراع، وفي خارطة التشابكات والتداخلات الدولية الإقليمية وأول ما يعنيه أن صفحة القيادة أو الزعامة الأميركية الأحادية في المنطقة والعالم التي بلغت ذروتها مع الرئيس بوش قد انطوت مع الرئيس أوباما، وأن العصر الأميركي في الشرق الأوسط الى أفول مقابل صعود العصر الروسي الذي لا يمكن من الآن تحديد آفاقه ونهاياته وسط شكوك كثيرة بدأت تظهر في الولايات المتحدة وإسرائيل: محللون أميركيون يعتبرون أن تزايد عدوانية بوتين في سورية يمكن أن يوجد حقبة جديدة من المنافسة الروسية ـ الأميركية ودورا أكبر لروسيا في الشرق الأوسط.
يعمل بوتين على ترسيخ نظام الأسد من غير أن تكون لديه استراتيجية محددة لحل النزاع السوري. ومن غير الواضح كيف ستتمكن روسيا التي تعاني العقوبات الاقتصادية التي اضعفت اقتصادها والهبوط في أسعار النفط من توظيف جهودها في حرب لا نهاية لها في سورية.
ومحللون إسرائيليون يعتبرون أن بضع طائرات روسية وبضع مئات أو آلاف من الجنود الروس لا يستطيعون تغيير وجهة المعركة في سورية من أساسها، كما لم يستطع مئات آلاف الجنود الروس في أفغانستان مساعدة حليفهم المحلي في هذه الدولة في حربه ضد طالبان.
ويبدو أن الروس نسوا خطورة الحرب ضد عصابات إسلامية، ولم يتعلموا شيئا من دروس الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان.
ولكن يبقى أن بوتين وحسب محللين أوروبيين هو رئيس قوي يرأس دولة متوسطة القوة، في حين أن أوباما رئيس باهت ومتردد يتزعم دولة هي قوة عظمى عالمية.
ليس لدى الأوروبيين والأميركيين مشروع فعلي ضد تنظيم الدولة الإسلامية وضد «الديكتاتور» بشار الأسد.
وكل ما لديهم هو خطاب متردد من الصعب تصديقه ألا وهو الدعوة الى مرحلة انتقالية ديموقراطية في سورية بعد التخلص من معسكر الأسد.
في المقابل، لدى بوتين خطة واضحة ضد الدولة الإسلامية ولكن بمشاركة الأسد.