بعد أن أخبرني بالخلاف بينهما وبسوء ما حصل بينهما قال لي: ولكنني أحبها وهي أغلى ما عندي ابنتي الوحيدة فكيف لها أن تعتقد غير ذلك؟ قلت: هذا ما تعرفه أنت عنها.. ماذا فعلت لها لإيصال فكرة الحب لها؟ أجابني: «ما في داعي ومو لازم كل يوم أقولها إني أحبها وإنها غالية لازم تكون عارفة هالشي!»..
وضعت أكثر من خط تحت كلمة «لازم» وكيف أن المشاعر بيننا أصبحت لزاما وتكبيلا علينا التقيد به مهما حدث، هكذا نقتل أجمل وأوطد العلاقات مع من نحب بتعاملنا معها وكأنها ضمان لا خوف منه وملزم لصاحبه مدى الحياة.. كيف؟
ما يجمع بيننا وبين أحبابنا من آباء وأمهات، إخوة وأخوات، زوجة وأبناء وحتى المقربين من الأصحاب علاقات إنسانية مهما بلغ تقديرها في أنفسنا وتعاظم شأنها في قلوبنا إلا أن قوانين العلاقة تنطبق عليها كما تنطبق على أي علاقة أقل منها أهمية، تحتاج لرعاية وتعميق وتثبيت وللسقاية كلما مالت للعطش والري إن جفت.
العلاقات تبنى وتكبر ولا يمكن أن تؤخذ على سبيل الضمان والإلزام. فالأم تعتقد أنها ليست مضطرة لإبداء المشاعر لأبنائها لأنها أمهم ويجب عليهم احترامها وحبها.. والأب يعتقد أنه حنون وعطوف بمجرد أنه أصبح أبا، فلا داعي لإظهار هذا للأبناء لأنهم ملزمون بمعرفة هذا الشيء مسبقا والتعامل معه كحقيقة!
لا تكن فظا غليظ القلب وإلا تركوك وانفضوا عنك، أليس الحق أحق أن يتبع؟ لماذا يوجه الإله نبيه ليكون رقيقا حسن المعشر؟ مهما سما المعنى في القلوب فلابد من إظهاره للآخرين، لم يقل النبي أنا رحمة لكم وعليكم معرفة هذا وإن لم أظهر ذلك!
مهما كنت قريبا أو كنت تعتقد ذلك فلابد من إظهار ما تكنه نفسك، الروابط الإنسانية شيء متبادل، أخذ وعطاء وليست إلزاما وابتزازا. «بر الوالدين» عند كثير من الأبناء والبنات أصبح قهرا نفسيا وتسلطا عاطفيا يؤيده المجتمع ويفعله بطريقة حمقاء، بدلا من أن يكون نتيجة علاقة سليمة متوازنة كلما اختلت ساهم بتصحيح مشيتها!
علاقاتك مستقرة مع المحبين، لماذا لا تقوم بتعميقها؟ أو بجعلها ميثاقا أكثر غلظة؟ أم أنك لازلت تتكئ على معنى هذه العلاقة في رأسك أكثر مما ترى الناس من فعلك؟ عندك حديقة خضراء جميلة مهما بلغ عشقك لها فلن تأبه الورود لحبك إن انقطع عنها الماء وستذبل أمام عينيك وأنت تقول لها أحبك من كل قلبي!
دراسة قامت بها إحدى أعرق الجامعات في العالم لترى سبب السعادة، وبعد أكثر من 70 عاما وجدوا أن السعادة مرتبطة بجودة علاقاتك مع من تحب! جودة العلاقة وليس وجود العلاقة فقط! كم علاقة تعتقد أنها «مضمونة» غير قابلة للخسران؟ وكم شخصا تظن أنه يعرف ما في قلبك نحوه دون أن تظهر له؟ سارع واسق ورودك قبل أن تذبل!
DrNawras@