بعد إساءة تعرضت لها في سنتي الثالثة في كلية الطب لم أجد طريقة للرد إلا كتابة قصة رمزية حوار بيني وبين قلمي عنوانها «أنا والقلم!» سيفهم مقصدها من أساء إلي، وضعت القصة مطبوعة بدون توقيع في مركز تصوير الكلية لتصل لمن أردت أن تصل لهم! إلا أن شيئا غريبا حدث، بدأ طلاب السنة الخامسة والسادسة بمدح ما كتبت وكانت تعليقاتهم متنوعة كـ «على الجرح» «كفو» «خوش رد» ومنهم من قال لي «اشدراك؟!» وكل منهم يقصد أمرا.. ما الذي حدث؟!
كل شخص قام بربط المحتوى بما يراه هو مركزا لكونه! مثلما اعتقدت أنا أن موضوعي هو الأهم في هذه الحياة، افترضت أن رمزية القصة لا تنطبق إلا على ما حدث معي ولكن الواقع كان مختلفا جدا! المعاني والرمزيات لا يمكن أن توصل رسالة واحدة بل تتغلغل في وعي القارئ وتصور له أبعادا كثيرة وعميقة تجعل كل شخص يظن أن الكاتب يكتب عنه دون غيره! لذلك أكتب وأعطي الحرية لعقل القارئ أن يصنع التفاصيل التي يريد، أكون قريبا منه جدا دون أن أخطو نحوه، أمسك أسراره بيدي أقلبها وأحركها دون أن أعرفها، أضعه أمام شكوكه وأزعزع ثقته وأبقيه في حيرة من أمره غارقا في الفضول وكل هذا ولم يمس أحد بخصوصيته.
الكتابة عن الفكرة بعيدا عن التصنيفات السياسية والدينية والفكرية ودون مهاجمة فئة معينة أو تيار عملية صعبة جدا إلا أنها باتت الآن أصعب وأشد رعبا! قديما -على سبيل المثال- يبتعد الكاتب عن الصدام مع الدولة في الأنظمة الديكتاتورية ويبقى في أمان وسلام، كان تركيزه على طرف واحد فقط أما الآن مع الانفتاح العالمي وتنوع الجمهور ووصول الرسالة لكل مكان ولكل إنسان أصبح الكاتب في مأزق!
فكل سلطة تقرأ من خلال ما تفكر فيه تماما كطلاب كليتي! فإن كنت مع طرف ضد آخر فتلك نصف مصيبة ولكن عندما تكون بعيدا عن هذا ولا تعلم أصلا بوجود الأطراف تصبح عدوا لكل طرف وهنا كل المصيبة! فكل طرف سيضع حولك إشارات استفهام ويبدأ برؤية الصورة كما يحلو له! فتخيل أن تكتب تغريدة ويصادف أن تكون في «تايملاين» أحدهم بين تغريدات تعارض سياسة ما سواء في بلدك أو بلد آخر أو تنتقد منتجا أو تشجع فريقا رياضيا أو تدعو لحملة إغاثية عندها يبقى مصير ما تكتب في مهب رياح التأثير العام وماتجيش نحوه الجماهير، وإن حدث هذا اللبس فمن المستحيل أن تقنع أحدهم بما قصدت بعد أن كون تجاهك انطباعه الأول! إما أن تكون مع أو ضد، أو أن يراك الجميع ضدهم، فلا تستغرب إن أبدت حكومة الكونغو استياءها منك أو اتهمتك جمعية حقوقية يابانية بمحاربتها ومن المحتمل أن تقضي حياتك خلف قضبان تصنيفات الناس، أو قضبان السجن دون أن تدري كيف ولماذا!
DrNawras@