كتب كثيرة تخبرك كيف تنجح أو كيف تصبح مليارديرا، والجيد منها يرتكز عادة على تجربة الكاتب الذي يكون بتعريف المجتمع «شخصا ناجحا» فيحكي لك في كتاب طريقة نجاحه وكيف وصل إلى ما وصل إليه، وعندما تقرأ له تعتقد بأن نجاحا مماثلا ينتظرك والموضوع «مسألة وقت» لا أكثر إلا أننا لا نجد أغنياء جددا بعدد أو حتى بعشر عدد نسخ الكتاب الذي يخبرك كيف تصبح غنيا! وقس على ذلك كل ما يخص النجاح من مال وأعمال ومواهب وغيرها!
قد يكون استقراء الأحداث ومعرفة مسبباتها ممكنا لسلسة من الأحداث الفردية المتتالية، ويصعب ذلك عندما يكون هناك الكثير من المعطيات منذ البداية، فمهما بلغ مقدار التوقع والتحليل يبقى هناك عدد غير نهائي من التصورات ويزداد الأمر صعوبة مع المعطيات مستحيلة القياس والمقارنة، كمقدار الشجاعة والحب وتحمل الضغوط النفسية، ولعلك تتفق معي في صعوبة تنبؤ نتيجة هذا الخليط من المعطيات! والأمر مشابه إذا ما تعلق بالقراءة العكسية للأحداث ولكن لا ننتبه لهذا بسبب وجود نقطة بداية ونهاية فيخيل للعقل بأن هناك خطا من الأحداث يصل بينهما!
«اسأل مجرب» نصيحة ليست مكتملة الحقيقة، والمجرب رغم وصوله لما وصل إليه فهذا لا يعني أنه قادر على رسم طريق واضح يربط بين البداية والنهاية! فالدماغ يحاول سد الفراغ بين نقطتين ويعتمد في انتقاء مادة الربط على أفكار وتوجهات واعتقادات الشخص المتحدث، فتبدو الأمور وكأنها واضحة من البداية حتى النتيجة! نجحت في امتحان لك فتعتقد والدتك بأن ذلك كان نتيجة دعائها ليلا، والطباخ سيقول: نجاحك أساسه الأكل المتوازن الذي أقوم بإعداده، وأنت تفترض بأن التزامك بجدولك الدراسي هو السر، وكل شخص سيجد ربطا مكتملا بين الحدث ونشأته! وجود الرابط لا يعني صحة الربط، فهناك الكثير من العوامل التي مر بها ذلك الملياردير قبل نجاحه هو نفسه لا يعيها، ظروف نفسية ومجتمعية أعطته دون أن يشعر الدعم اللازم، وعوامل أخرى لا علاقة لها بالطريق سيعطيها أهمية عظمى!
ولعلك تسأل: ألن نستفيد من سماع تجارب الآخرين؟ بلى، ولكن لا بد أن نعي فرادة التجارب الإنسانية، استمع للآخرين لتثري فكرك وتفتح مزيدا من الخيارات واتبع منها ما يتناسب معك لا أن تعيد صياغة حياتك لتستنسخ تجربة سابقة، فنتائج التجارب الإنسانية تتكرر، ولكن لا يمكن أن تتكرر الوسائل والطرق تماما!
مهما تطورت مهارات التحليل والتعامل مع المعطيات الحالية والسابقة لا بد من تنمية قدرة التكيف مع الظروف المحيطة والمتغيرة لتنجو إن خالف الواقع مخططاتك، فالتجارب ليست معادلات رياضية تعطيك نتائج ثابتة كلما استخدمت معطيات ثابتة، ولاحظ كيف أن خبراتك لا تفيدك في كثير من الأحيان في أوضاعك الحالية، فكيف ستعتمد على خبرات شخص آخر بظروف مغايرة مرت بربط عكسي معرض للخطأ تخبرك عن كيفية رسم مستقبلك؟!
DrNawras@