- جاءت أحكام القانون 30 لسنة 1964 بشأن إنشاء ديوان المحاسبة وتعديلاته متسقة مع أحكام المادة 50 من الدستور
- أناط المشرع للسلطة التنفيذية بتطبيق الرقابة المسبقة على كافة العمليات المالية التي تتم في الجهات والمؤسسات الحكومية من خلال المراقبين الماليين ورؤساء الحسابات
تناولنا في الجزء السابق الجوانب التاريخية التي ارتبطت بنشأة جهاز المراقبين الماليين، ويستفاد من هذا السرد التاريخي ان هناك تعددية في الأنظمة الرقابة المالية تكفل لها التكامل لا الازدواجية، وتركها المشرع في ذلك الوقت وفق رؤيته لخلفه لتنفيذ هذا التكامل من خلال التشريعات التي سيتم إصدارها لاحقا لبناء تلك الأنظمة الرقابية وضمان تكاملها، كما تضمنت رؤية المشرع التأكيد على فصل السلطات بما يتفق مع ما ورد بالمادة 50 من الدستور.
حيث جاءت أحكام القانون 30 لسنة 1964 بشأن إنشاء ديوان المحاسبة وتعديلاته بما يتسق مع أحكام المادة 50 المشار إليها، كما جاء تنظيم الرقابة على الصرف أيضا بما يتسق مع ذات المادة سواء من خلال الأحكام الخاصة بالرقابة والواردة بالمرسوم بقانون 31 لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي، أو من خلال أحكام القانون 23 لسنة 2015 بشأن إنشاء جهاز المراقبين الماليين.
وقد أناط المشرع بوزير المالية تنظيم طرق تدقيق الحسابات العامة ومراجعتها تلك التي تباشرها وحدات الرقابة الداخلية بالأجهزة المالية في كل جهة من الجهات الحكومية استنادا الى نص المادة 31 من المرسوم والتي تنص على (تحدد وزارة المالية شكل السجلات والأوراق اللازمة للمعاملات المالية، ويحدد وزير المالية الشروط والأوضاع التي تتبع في الصرف والتحصيل وغير ذلك من الإجراءات الحسابية، كما ينظم طرق تدقيق الحسابات العامة ومراجعتها).
هذا وقد أناط المشرع للسلطة التنفيذية بتطبيق الرقابة المسبقة على كل العمليات المالية التي تتم في الجهات والمؤسسات الحكومية، من خلال المراقبين الماليين ورؤساء الحسابات، بهدف التحقق من أن عمليات الصرف تتسق مع القوانين والقرارات المنظمة لها، وفي حدود الاعتمادات المالية الواردة بالميزانية، وبما يحقق أهدافها ومتابعة تحصيل الإيرادات العامة، وهذا يقتضي ذلك المراجعة الحسابية والمستندية، وأنها تتم وفقا للقوانين واللوائح والتعليمات المنظمة لها، ويطلق على هذا النوع من الرقابة أيضا بالرقابة المانعة، وفقا لنص المادة 33 والتي تنص على (يعين بمختلف الوزارات والإدارات الحكومية مراقبون ماليون ورؤساء للحسابات) والمادة 51 مكرر والتي تنص على (يعين وزير المالية بالجهات ذات الميزانيات المستقلة مراقبين ماليين ورؤساء للحسابات، ويصدر قرار من وزير المالية بتحديد اختصاصاتهم) بموجب التعديل على المرسوم بقانون، وذلك بصدور القانون 55 لسنة 2001.
وعليه، فإن القول ان ديوان المحاسبة يختص دون غيره بممارسة الرقابة المالية، وأن المقترح بإنشاء جهاز للمراقبين الماليين يخالف نص المادة 151 من الدستور قد جانبه الصواب، حيث ان الدستور قد نظم الشؤون المالية بالدولة وأن التشريعات التي صدرت بعد إقرار الدستور جاءت تنفيذا لأحكام الدستور، فالمشرع رسم دور السلطة التشريعية من خلال ديوان المحاسبة الرقابي في إطار أحكام القانون رقم 30 لسنة 1964 وتعديلاته، كما رسم المشرع دور السلطة التنفيذية الرقابي في إطار ما نصت عليه المادة 34 من المرسوم 31 لسنة 1978 بشأن قواعد إعداد الميزانيات العامة والرقابة عليها والحساب الختامي والتي جاء بها الآتي (يحدد بقرار من مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية اختصاصات وتبعية المراقبين الماليين ورؤساء الحسابات)، هذا بالإضافة الى الدور الرقابي المناط بوزير المالية ووزارة المالية بموجب ما ورد من أحكام في كل من المرسوم 31 لسنة 1978 المشار إليه، والمرسوم بشان وزارة المالية الصادر في عام 1986.
هذا ونؤكد ما جاء من رأي من قبل ديوان المحاسبة من ان دور المراقبين الماليين أيضا هو متابعة تنفيذ الميزانيات العامة ومراقبة الإيرادات والمصروفات، سواء من خلال ما ورد من أحكام في المرسوم 31 لسنة 1978 والقرارات التنفيذية له، او من خلال الأحكام الواردة بالقانون رقم 23 لسنة 2015 بإنشاء جهاز المراقبين الماليين ولائحة التنفيذية وكذا القرارات التنفيذية لهما، وهي لا تتعارض مع أحكام القانون رقم 30 لسنة 1964 بشأن إنشاء ديوان المحاسبة، بل أكد القانون 23 لسنة 2015 على عدم التعارض وفقا لما جاء بالمادة 12 منه حيث نصت على الآتي (مع عدم الإخلال بالاختصاصات المقررة لديوان المحاسبة وفقا لأحكام القانون رقم 30 لسنة 1964 المشار إليه تكون اختصاصات المراقبين الماليين كما يلي: ...).
وتأسيسا على ما ورد بالفقرة السابقة فإن القول من ان ما ورد بنص المادتين (9 و10) من المقترح بالقانون من تكليف مجلس الوزراء للجهاز لرقابة أي جهة أخرى، او أي عمل يرى المجلس ضرورة الرقابة عليها يمس استقلالية ديوان الحاسبة ويعتبر تدخل في اختصاصاته، أيضا هذا القول ليس في محلة، فعلى الرغم من ان القانون صدر بتبعية الجهاز لوزير المالية وليس لمجلس الوزراء كما وضحناه سابقا، فإن ما ورد من نصوص في المادتين المذكورتين لم يرد فيهما أي أحكام تتعارض مع قانون إنشاء ديوان المحاسبة، فنصت المادة 9 من القانون على الآتي (تسري أحكام هذا القانون على الجهات الخاضعة لرقابة الجهاز، ويجوز لوزير المالية تكليف الجهاز بالرقابة على أي جهة أخرى أو أعمال يرى ضرورة رقابة الجهاز عليها) كما نصت المادة 10 على الآتي (لرئيس الجهاز تشكيل لجان أو فرق عمل للرقابة او التحقق أو الدراسة، وتفويضها بمهام أو قضايا محددة ضمن مهام الجهاز وصلاحياته، وتقدم نتائج أعمالها إليه).
وفيما يتعلق بوجود اختلافات بين التقارير السنوية التي تعدها الجهات الرقابية فهو أمر طبيعي لاختلاف نوع ونطاق الرقابة لكل من الجهاز والديوان وفق لأحكام القوانين المنظمة لأعمالها، كما هو الحال في التقارير التي تعد عن الحسابات الختامية والتي تعدها كل من وزارة المالية وديوان المحاسبة. أما ما يتعلق بتبعية جهاز المراقبين الماليين ومدى اتساقه مع الدستور، هذا ما سنبينه لاحقا في الجزء الثالث.
* نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
[email protected]