نعم بهذه الحدة، وهذا الغضب، ما سمعته في استجواب وزير الداخلية، فجَّر في داخلي تراكمات سنين مضت من إفرازات ما يسمى بالديموقراطية بداية من الانتخابات التي تفقد المرشح ومفاتيحه أبسط القيم والأخلاق، وما بعد النتائج من طعن وسُباب، ثم انتخاب الرئيس وما يجري من تحت الطاولة وفوقها، ثم ما ينتج من ترسبات نتائج انتخابات عضوية المجلس، والرئاسة، واللجان، ثم أربع سنوات يعاني منها المواطن ما يسمع ويرى، من تجاوزات للقوانين، والأعراف وعاداتنا الاجتماعية الراقية، وآفة الواسطة البغيضة.
ترسبات نصف قرن عايشتها من أول مجلس أمة، معتقدا أنها الديموقراطية، بدأت جميلة «كخضراء الدمن» التي حذرنا منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحنا بالمظهر، واكتمال شكل الدولة ذات الثلاث رؤوس، ونحن نعلم أن أقرب طريق للوصول للهدف هو الخط الذي يصل بين (رأسين) أقصد نقطتين فقط، فإذا كثرت الرؤوس والآراء ضاعت الحقيقة وفقدنا المشاريع.
في الجلسة الماضية تطايرت كلمات تحت قبة «أبو الديموقراطية» الذي لو يعلم ما حصل لما أوجدها، كلمات «أمك وأبوك وأختك وأخوك وزوجتك وطليقتك، ومفسد وفاسد»، ومن قبل كلمات أترفع عن ذكرها، وبصق، وضرب بالعقل، وتشجيع (عندك إياه، أنت أحسن منه) كلمات تثير النعرة القبلية، والطائفية، والحزبية، ما هكذا انتخبناكم، نعم نقر ونعترف بأننا أخطأنا بالاختيار، (فكيف كان اختيارنا، وما هي شروط ترشحكم) ربنا سبحانه جلت قدرته، عندما اختار خاتم الرسل (صلى الله عليه وسلم) اختاره بعد اكتماله 40 عاما، وقد أكمل نصف دينه، من أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها، لتهدئ روعه وتشد أزره، وتساعده على حمل الأمانة، فبنى الله لها بيتا بالجنة، المرأة لها دور بالدين والدنيا، فلا نجعلها نقطة ضعف، ونحن نردد «وراء كل رجل عظيم امرأة» اقرأوا القرآن وقصص الأنبياء، فأغلب الرسل والأنبياء محصنون، لهم زوجات وبنين أضافوا إلى مشاعرهم، عاطفة الأبوة وشعور الخوف والتفكير بمستقبل أبنائهم، مما يجعل قراراتهم حكيمة ومكتملة الأركان، فأين نحن من ذلك؟
هذا النوع من الديموقراطية لا يناسبنا، ولا يناسب زماننا، إن وجود التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي، والصحافة الحرة، أفقدت بريق الديموقراطية، وسحبت البساط من تحت أقدام مجالس الأمة، فأي خلل بالدولة يستطيع أضعف وأصغر مواطن يحمل تليفونا أن يسجله صوتا وصورة، ويرسله (واتساب، سناب، انستغرام.. الخ) وبلحظات سيصل لولي الأمر، أو للمسؤول، ويكون كل من شاهده.. شاهدا، ومترقبا لردة فعل ولي الأمر أو المسؤول، والأحداث تشهد على ذلك، فحين يطرح موضوع بوسائل التواصل، ويكون مقبولا تقوم الجهات المعنية بتنفيذه، وحين تطرح مشكلة يتفاعل معها المجتمع، تكون أقوى من أي استجواب، كذلك لو يطرح استفتاء ويتفاعل معه الناس، ويقتنع به المسؤول فسيولد القرار من رحم الشعب.
كانت ديموقراطيتنا العفوية قبل 1962 أنقى وأفضل من اليوم، كانت لا تكلف الدولة شيئا، وكنا نلجأ لولي الأمر مباشرة، أو إلى بعض شخصيات المجتمع الثقات والمقربين لولي الأمر، أما حالنا اليوم فينطبق عليه المثل الشعبي (الروس نامت والعصاعص قامت).
[email protected]