في جو ملبّد بالحزن والأسى بفراق عزيز ووالد رحوم وشيخ جليل وقائد حكيم، المغفور له بإذن الله، أميرنا الشيخ صباح الأحمد، رحمه الله، رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، وأبدله دارا خير من داره، وأهلا خير من أهله، بفراقه طويت صفحة ناصعة المعالم، و«تاريخ» يكتب بماء الذهب، خطه سموه (يرحمه الله) واصفا الكويت وشعبها وأميرها بقيادة العمل الإنساني. الكويت (وليست قرية يا أستاذ) التي يتسابق كل شعبها دون تمييز إلى عمل الخير والمساعدة لكل شعوب الأرض وأيضا دون تمييز بمد يد العون والمساعدة، ماديا ومعنويا لكل شعوب العالم (ربما يسميها «استاذنا الفاضل» توزيع الثروة)، هذا«الأستاذ الفاضل» الذي أخشى على أبنائي وأحفادي من سماع وقراءة أفكاره.
في هذه الأيام العصيبة والحزينة، والتي كما قال فيها الشاعر:
إذا مات منا سيد قام سيد ٭٭٭ قؤول لما قال الكرام فعول!
ترجل فارس وأتى خلفه فارس، نسأل الله العلي العظيم أن يعينه ويسدد خطاه، وندعو الجميع إلى الوقوف خلفه صفا واحدا متراصا كالبنيان، لا نقبل التفرقة والتشرذم من أي نوع أو جهة.
بعد اعتلاء صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، حفظه الله، سدة الحكم بكل سلاسة ومحبة ودعوات له بالتوفيق، دخل شعب الكويت في مرحلة المخاض، وترقب ولادة ولاية عهد جديد، ولا يخفى على أحد ما تناقلته وسائل التواصل الاجتماعي من آراء وتوقعات، بل وتحليلات دقيقة جدا، وتفصيلات أدق، قربت اسما وأبعدت أسماء، ولأن أهل الكويت يؤمنون إيمانا قويا بأن الكويت محفوظة بأمر الله سبحانه، ويؤمنون بقوله سبحانه: (وما تشاءون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما) وواثقون بحنكة وحكمة سمو الأمير باختيار ولي العهد، فقد تلاقت رغبة سمو الأمير حفظه الله، مع رغبة الشعب، فكان يوما باسما، خفف على الشعب حزن الأيام الماضية... لكن خرج علينا أستاذ بجامعة الكويت، يملك صفة حساسة جدا، في هذا الوقت الحساس جدا، يغرس بذور الفتنة، في جو ممطر «بالدموع» وأرض خصبة من النفوس الضعيفة، وبيئة مهيأة للتفاعل. رحمك الله يا شاعر الوطن أستاذي د.عبدالله العتيبي حين قال:
نحن نبني هياكل النور لكن
كم ضياء بنا وأدنا انبثاقه
كلما لاح في سمانا هلال
واستوى بدره صنعنا محاقه
ايه يا صوتنا القديم أغثنا
قبل أن ندمن الدجى وانغلاقه
أمن التائهين ترجو دليلا؟
ومن البكم تستمد الطلاقة
اسمح لي أستأذي الفاضل، أن أناديك بابني لأني تجاوزت السبعين، وقد كنت طالبا جامعيا بجامعة القاهرة منذ 50 عاما، وقد ولدت بعاصمة الكويت (چبلة) والعاصمة تشمل القبلة والشرق والمرقاب، وهي ليست قرى كما تسميهم، وقد عاصرت «تثمين بيوت المواطنين» وأحسست بالألم والحسرة، التي أصابت آبائي وأجدادي وكل أهل چبلة وشرق والمرقاب، حين اجتثوا من بيوتهم كما يجتث النبات من التربة بحجة استملاك بيوتهم وإبعادهم عن فرجانهم، وساحل البحر، وقربهم من الأسواق.
لعلمك يا ابني ان التثمين لم يكن توزيع ثروة بل هو بخس الناس لأشيائهم، لو خيروا أهل العاصمة بالعودة لبيوتهم مع إرجاع مبالغ التثمين للحكومة أضعافا مضاعفة لقبلوا، (كذلك حظور العوازم وهي معالم ثابتة)، أرادت الحكومة تنفيذ مخطط هندسي فعمدت على نظرية الاستملاك ترغيبا وتهديدا، والدليل وجود دعاوى ضد التثمين، فظهرت لجنة الاعتراض لتزيد الترغيب، في النهاية المصلحة العامة فوق الجميع ولا يمنعها أحد.
للأسف يا ابني أنا ومن مثلي ضاعت ملاعب طفولتنا ومسقط رؤوسنا، ومدارسنا (الأحمدية، والعمرية).
ابني العزيز تصريحك هذا جانبه الصواب، فلو طبقنا ميزانك الغريب لأصبح الخليج العربي ملكا لأهل الكويت، فهو مرعاهم منذ سنين بالسفر والغوص (وسفن الغوص الكويتية «ترعى» في مغاصات القطيف ودارين وقطر والبحرين وعمان)، والمرعى هو الكلأ والماء، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الناس شركاء في ثلاث الماء والكلأ والنار»، أي أن المراعي للجميع لا تستملك بحجة أن البهايم أكلت من نبته الرباني.
أما موضوع التجنيس، فكان الأحرى بك أن تزور وزارة الداخلية، وتستعلم عن عدد، وأسماء، ومراكز لجان التجنيس، ستجد الإنصاف والعدالة منهجها، فقد أنصفت الحكومة في ذلك الوقت الجميع، أما ما نراه اليوم فهو عبث، مما جعل أهل الكويت يشعرون بالغبن والظلم فيما يسمعون من تزوير وتدليس أضاع هوية الوطن والمواطن.
أسأل الله العلي القدير أن يهدينا وإياك وجميع المسلمين إلى ما فيه الهدى والصلاح، وأن يبعد عنا الحقد والكراهية والفتن ظاهرها وباطنها، اللهم احفظ الكويت وأهلها واحفظ نعمة الأمن والاستقرار وطيب العيش بربوعها.. آمين.
[email protected]