- كلما زاد نطاق عمل الموظف الفني بالمسؤولية الإدارية زادت حاجته إلى المعرفة القانونية التي تمكنه من ممارسة اختصاصاته
بقلم: بدر مشاري الحماد - نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقا)
baderalhammad.com
من خلال ما تطرقت إليه في مقالات سابقة من موضوعات تتعلق بالشأن المالي للدولة، قد أثارت تساؤلات لدى البعض حول مدى علاقة ما أتناوله من مسائل مالية، وعلى وجه التحديد الرقابة المالية، بالموضوعات القانونية التي كنت أثيرها في سياق تلك المسائل، وأنه من المناسب الرد على تلك التساؤلات والتي أرى أنها مستحقة وواجبة التوضيح للقارئ.
يرتكز عمل الرقابة بوجه عام والرقابة المالية بوجه خاص على قاعدة جوهرية، وهي التحقق من مدى اتساق التصرفات المالية مع الإجراءات المنظمة لها، وكما هو متعارف عليه من الجانب القانوني أن الإجراءات المنظمة تأتي من مصادر متعددة بشكل هرمي تبدأ من رأس الهرم المتمثل في الدستور وتتدرج الى القوانين والمراسيم ثم اللوائح والقرارات والتعاميم التي تصدر وفقا لأداتها القانونية.
فإذا لم يكن الموظف الفني ملما بشكل كامل بتلك التشريعات المنظمة للشؤون المالية، فإنه لن يستطيع أن يبدي رأيا فنيا سليما في المسائل التي تعرض عليه، ومن المؤكد أن يكون رأيه في أي مسالة تعرض عليه رأيا غير سديد.
وما يؤكد أن العمل الرقابي والقانوني مكملان لبعضهما البعض هو ما ذهب اليه المشرّع في قانون إنشاء ديوان المحاسبة، حيث جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون الآتي (... وقد روعي في ذلك أن الأعمال التي يباشرها الديوان وفقا لاختصاصاته المبينة بهذا المشروع، إنما تقوم على ثقافتين ذات مستوى عال، إحداهما قانونية والأخرى حسابية، وان هاتين الثقافتين تكمل الواحدة الأخرى، ويتعين اجتماعهما معا لإمكانية ممارسة الديوان لاختصاصاته على الوجه الأمثل).
ومن ثم فإن بناء قدرات الموظف الفني في الجانب القانوني مسألة في غاية الأهمية، فكلما زاد نطاق عمل الموظف الفني من حيث المسؤولية الإدارية زادت حاجته الى المعرفة القانونية التي تمكنه من ممارسة اختصاصاته، ومع مرور الزمن تكون لدى الموظف الفني حصيلة غنية من المعرفة القانونية.
وعلى المستوى الشخصي وعلى مدى ما يزيد على 30 عاما في مجال الرقابة المالية، ومن خلال عدد من المناصب الإدارية التي كلفت بها بخلاف المشاركات في اللجان والفرق العمل المتخصصة والتمثيل في عضوية عدد من المؤسسات المحلية والإقليمية، تعامل مع العديد من التشريعات المختلفة التي تتطلبها طبيعة العمل والتكليفات، مما تكونت لدي موسوعة زاخرة من الإلمام المعرفي في مجال القانون، وقد مكنتني تلك المعرفة من الدخول في حوارات جدلية مع مشرعين قانونيين في العديد من المسائل وفي مناسبات عديدة، وسوف اكتفي بذكرة تجربة واحدة فقط في هذا السياق تدليلا على ذلك.
نظرا لدراستي لقانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد رقم 24 لسنة 2012 (الملغى بحكم المحكمة الدستورية)، فقد أثرت مسألة تتعلق بما جاء في المادة 19 من المرسوم بقانون إنشاء الهيئة والمتعلقة بمنح سلطة خاصة لرئيس الهيئة تتعلق باختصاصات وزير المالية، حيث نصت المادة على الآتي (لرئيس الهيئة الاختصاصات المخولة لوزير المالية، ولمجلس الأمناء الاختصاصات المخولة لديوان الخدمة المدنية فيما يتعلق باستخدام الاعتمادات المقررة بموازنة الهيئة وتنظيم أعمالها وشؤون موظفيها).
ونظرا الى أن المشرع قد نسخ هذا الحكم من قانون إنشاء ديوان المحاسبة مع بعض التعديل الأمر الذي وقع به المشرع بخطأ تشريعي فادح، حين منح رئيس هيئة مكافحة الفساد اختصاصات وزير المالية بشكل مطلق وليس بشكل محدد كما هو مشار اليه في قانون إنشاء ديوان المحاسبة، ما تسبب المشرع في مد سلطة رئيس هيئة مكافحة الفساد إلى اختصاصات وزير المالية في كل التشريعات ذات الصلة بدور واختصاص وزير المالية في موضوعات تلك التشريعات.
هذا، ولم يستطع الجهاز القانوني بوزارة المالية البت في تلك المسألة التي تمت إثارتها من قبلي، حيث تمت إحالة الموضوع الى إدارة الفتوى والتشريع لاستفتائها في هذا الأمر، ونظرا لصحة ما تمت اثارته من قبلنا، فقد تدارك المشرّع هذا الخطأ التشريعي لاحقا عند صدور القانون الجديد لهيئة مكافحة الفساد رقم 2 لسنة 2016، حيث تمت مراعاة تعديل المادة 19 بما يتفق مع تلك الملاحظة التي تمت اثارتها، وجاء نص المادة بعد التعديل على النحو الآتي (لرئيس الهيئة الاختصاصات المخولة لوزير المالية بشأن استخدام الاعتمادات المالية المقررة بموازنة الهيئة ولمجلس الأمناء ممارسة الصلاحيات المقررة لديوان الخدمة المدنية فيما يتعلق بتنظيم أعمالها وشؤون موظفيها).
ختاما، أرجو أن ما ذكرته في تلك المقالة ان يكون كافيا بالرد على التساؤلات التي تتعلق بمسألة حق الموظف الفني المكلف بالرقابة المالية بأن يتناول الجوانب القانونية في قضايا الرقابة المالية.