قدم الشاب محمد البالغ من العمر 19 عاما، الذي كان يتقاسم سيجارة مع أصدقائه في زقاق بمنطقة الزهروني الفقيرة بالعاصمة تونس، تفسيرا بسيطا للاشتباكات الليلية العنيفة التي تهز بلاده منذ أسبوع وهو أنه «لا أمل لنا.. تونس تركتنا نواجه مصيرنا لحالنا.. لذلك لا يوجد شيء نخسره».
وبعد عقد من الاحتجاجات الحاشدة التي أنهت حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي وفجرت انتفاضات في بعض بلدان الشرق الأوسط، تفاقم الغضب وسط الركود الاقتصادي والوباء العالمي واتساع الفجوة بين التونسيين وقادتهم.
ولا يكاد يسمع في تونس سوى حديث السياسيين عن تعديلات حكومية ومناصب وزارية ومواقع في السلطة ونفوذ وعن كل شيء تقريبا إلا القضايا المحورية التي تهم حياة التونسيين الذين يركب كثير منهم قوارب الموت باتجاه أوروبا بحثا عن فرص حياة أفضل.
محمد أحد الشبان الذين شاركوا في الاحتجاجات الليلية يقول متحدثا لـ «رويترز» بجوار جدار عليه رسوم غرافيتي «لا يوجد شيء هنا..انظروا إلى الفقر والبؤس.. الحكومة لا تقدم لنا أي مساعدة أو فرص لنغير الحال للأفضل».
وفي أسوأ اضطرابات منذ سنوات، خرج كثير من الشبان الغاضبين في عديد الاحياء المهشمة في عدة مدن تونسية في مواجهات عنيفة مع الشرطة تخللها اعتداءات على الاملاك ونهب لمتاجر وبنوك.
ولكن ايضا خرج متظاهرون في مسيرات في النهار عبر ارجاء البلاد مطالبين بالوظائف والكرامة وإنهاء عنف الشرطة، مسلطين مزيدا من الضغوط على الحكومة التي تعاني أزمة مالية غير مسبوقة.
محمد، الذي رفض نشره اسمه كاملا خشية انتقام الشرطة، واحد من بين 10 فتية منقطعين عن الدراسة وعاطلين عن العمل كانوا يقفون في زقاق بالزهروني يمررون بينهم سجائر وزجاجات مياه غازية.
وشأنه شأن العديد من أبناء الزهروني وغيرها من مناطق تونس، كان طموحه الوحيد هو مغادرة تونس سعيا وراء فرصة عمل وحياة أفضل أوروبا.
وقالت الشرطة إن معظم الذين اعتقلوا هذا الأسبوع، وعددهم بالمئات، تتراوح أعمارهم بين 15 و20 عاما.
وقال المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية إن عدد المهاجرين التونسيين الذي وصلوا إلى الشواطئ الإيطالية في قوارب خلال 2020 زاد خمسة أمثال العدد عن عام 2019 ليصل إلى حوالي 13 ألفا، وهو أعلى عدد منذ 2011، مع تزايد المصاعب الاقتصادية والاجتماعية في تونس.
ويعزز ذلك مزيدا من البؤس والبطالة التي تؤثر على مئات الآلاف من الشبان مع ارتفاع عدد المنقطعين عن الدراسة بشكل كبير ليصل الى 100 ألف سنويا وفقا لمنظمات غير حكومية.
ومنذ ثورة 2011 التي أطاحت بالحكم الاستبدادي، عانت الحكومات المتعاقبة من عجز مالي كبير وسط تزايد طلبات التوظيف.
ويشتكي التونسيون من سوء الخدمات العامة في الصحة والتعليم والنقل وشبكات الكهرباء والماء إضافة إلى أن البنية التحتية المتهالكة لا تحظى بالاهتمام الكافي.
والعام الماضي فجرت وفاة فتاة سقطت في مصرف مياه غضبا واسعا. واقتصرت معالجة الأمر على خروج بعض المسؤولين على شاشات التلفزيون للتعبير عن الأسف وتبادل اللوم.
وفي جلسة برلمانية هذا الأسبوع، قال النائب المستقل الصافي سعيد «النظام برمته في قطيعة تامة مع الشعب.. إذا لم نستمع إلى صوت هؤلاء الشباب الغاضب فسوف يجرف الجميع برلمانا وحكومة ورئاسة».
وتسعى الحكومة التي تشكلت بعد جائحة كورونا، إلى إبطاء موجة العدوى دون إغلاق الاقتصاد خشية توسيع العجز المالي المتفاقم وخسارة مزيد من التونسيين لوظائفهم.
وقال رئيس الوزراء هشام المشيشي إنه يتفهم الإحباط الاقتصادي الكامن وراء الاضطرابات لكنه تعهد بمواجهة أي عنف في الشارع بصرامة، لكن محمد ابن منطقة الزهروني قال إنه لم يهتم أصلا بخطاب رئيس الوزراء.
وقال إنه إذا اتيحت له الفرصة مرة أخرى لاقتحام متاجر فانه سيفعل مجددا، وأطول وظيفة شغلها محمد منذ هجره المدرسة قبل أربع سنوات كانت في مقهى لمدة شهر. يحصل أحيانا من والديه على 5 دنانير (1.50 دولار) ويقضي في التجول بين أزقة المنطقة، ويتحدث كل أبناء الحي الذي يعرفهم محمد حتى الأطفال فقط عن حلم واحد وفرصة واحدة هي مغادرة تونس باتجاه أوروبا.
عمر شاب أخر في الزهروني إحباطه مشابه لإحباط محمد. يقول عمر لـ «رويترز» انه لا مورد له ولا يجد عملا وحتى عندما عمل في الحلاقة لم يحصل على راتبه، ويضيف الشاب بمرارة أن عائلته لا تجد مالا لوجبة فطور الصباح أحيانا، وأصبح عمر معروفا في كامل منطقته.. إنه أكثر شخص يحاول الهجرة إلى أوروبا.
يذهب عمر كل يوم إلى ميناء رادس ويتسلق الحائط سعيا للاختباء في إحدى السفن التجارية المتجهة إلى أوروبا، لكنه يقول ان الأمن يعتقله في كل مرة ويشبعه ضربا قبل أن يطلق سراحه.
«لقد أصبح أفراد شرطة الميناء يعرفوني جيدا.. لكن تلك فرصتي الوحيدة وسأكررها».