- الرئيس التونسي يكلف مقرباً منه بالإشراف على وزارة الداخلية ويقيل وزيري الدفاع والعدل
- الغنوشي يتهم الرئيس بالانقلاب على الدستور وبتحويل البلاد إلى الحكم الفردي الاستبدادي
- «اتحاد الشغل» يدعم سعيّد ويدعو لإنهاء «هذه الحقبة»
- واشنطن تبدي "قلقها" للتطورات وتدعو الى احترام "المبادئ الديموقراطية"
بعد 10 أعوام على «ثورة الياسمين» عام 2011 التي أطلقت شرارة «الربيع العربي»، تواجه تونس أكبر أزمة سياسية إثر إطاحة الرئيس قيس سعيد بالحكومة وتجميد أنشطة البرلمان في خطوة بدا أنها مدعومة من الجيش ووصفها خصومه بأنها انقلاب. وجاءت الخطوة تتويجا ستة أشهر التجاذبات بين سعيد ورئيس الوزراء هشام المشيشي والبرلمان المنقسم على نفسه في وقت انزلقت فيه تونس بأزمة اقتصادية تفاقمت بسبب جائحة كوفيد-19.
وأصدر الرئيس التونسي أمرا رئاسيا يقضي بفرض حظر التجول في جميع المناطق التونسية من الساعة السابعة مساء إلى الساعة السادسة صباحا، وذلك ابتداء من أمس حتى الـ27 من اغسطس المقبل.
واستثنى الأمر الحالات الصحية العاجلة وأصحاب العمل الليلي مع إمكانية تعديل مدة حظر التجول «ببلاغ يصدر عن الرئاسة التونسية».
ويمنع بمقتضى هذا الأمر الرئاسي تنقل الأشخاص والعربات بين المدن خارج أوقات منع الجولان «إلا لقضاء حاجياتهم الأساسية أو لأسباب صحية مستعجلة فضلا عن منع كل تجمع يفوق ثلاثة أشخاص بالطريق العام وبالساحات العامة».
وفي ثاني خطاب له خلال 24 ساعة، اتهم سعيد «المؤسسة النيابية قامت بالسب والشتم والتهجم على رئيس الدولة». وقال: «رأيتم إلى أي وضع مهين للتونسيين تحولت المؤسسة النيابية».
ودعا الشعب التونسي أن يلتزم الهدوء وعدم الرد على الاستفزازات، والتعقل والانتباه لمن يدعو للفوضى وإراقة الدماء مؤكدا «لا أريد أن تسيل قطرة دم واحدة» وكان هدد أمس الأول بأن من يطلق رصاصة سيجابه بوابل من الرصاص، ورفض وصف قرارته بالانقلاب، وقال «المسؤولية اقتضت أن ألجأ إلى الفصل 80 من الدستور».
وأضاف: «اتخذت قرارا بناء على ما يخوله الدستور، وأتعجب كيف يتحدث البعض عن انقلاب»، مؤكدا أنه «لا مجال للتسامح مع من نهب أموال الدولة، لا يمكن أن تستمر مؤسسات الدولة بالشكل الحالي»، مشيرا الى أنه قام بتجميد العمل البرلمان وتجميد كل الاختصاصات التي يتولاها، ولم يقم بحله.
وحاول طمأنة التونسيين «أن الدولة قائمة ونؤكد على أنه لا مجال للتعدي على الدولة»· وأكد أنه أعلم رئيس الحكومة وهاتفت رئيس البرلمان بشأن القرارات التي اتخذها.
ويأتي هذا بينما أصدر سعيد قرارا بتعطيل العمل ليومين بمؤسسات الدولة باستثناء الجيش والأمن والمؤسسات الصحية، بهدف إعادة هيكلة التعيينات فيها.
ويقضي القرار بتعطيل العمل بالإدارات المركزية والمصالح الخارجية والجماعات المحلية والمؤسسات العمومية ذات الصبغة الإدارية لمدة يومين بداية من اليوم، مع إمكانية التمديد في مدة تعطيل العمل ببلاغ يصدر عن رئاسة الجمهورية.
وبحسب بيان الرئاسة التونسية: «يتيح هذا الأمر الرئاسي لكل وزير معني أو رئيس جماعة محلية اتخاذ قرار في تكليف عدد من الأعوان بحصص حضورية أو عن بعد. كما يلزم الهياكل الإدارية التي تسدي خدمات إدارية على الخط بتأمين استمرارية تلك الخدمات مع تمكين الرئيس المباشر بكل هيكل إداري أن يرخص في بعض الخدمات الإدارية الأخرى أو القيام ببعض إجراءاتها عن بعد لاسيما عبر التراسل الإلكتروني».
من جانبه، أعلن رئيس الحكومة المقال هشام المشيشي امس، أنه لن يتمسك بمنصبه وتعهد بتسليم السلطة لأي شخصية يختارها الرئيس التونسي قيس سعيد الذي قرر تجميد عمل البرلمان واعفاء الحكومة مستندا الى الفصل 80 من الدستور التونسي.
جاء ذلك في بيان أصدره المشيشي على اثر القرارات التي اتخذها الرئيس سعيد أمس الأول والتي أقر من خلالها اعتماد الاجراءات الاستثنائية على معنى الفصل 80 من الدستور التونسي.
وقال المشيشي انه تسلم "مسؤولية رئاسة الحكومة منذ سنة في أصعب الفترات التي مرت على تونس عبر تاريخها .. أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة نتيجة فشل النخب السياسية المتعاقبة طيلة السنوات الأخيرة في ارساء منظومة تستجيب الى تطلعات التونسيين".
وأضاف أن الأزمة الصحية وجائحة (كورونا) عمقت الصعوبات أمام حكومته التي اضطرت الى "اتخاذ قرارات لا شعبية لها في نظر البعض ولكنها ضرورية في ظل الامكانيات المحدودة للدولة والوضع المتردي للاقتصاد التونسي".
وأكد المشيشي أن هذه الأوضاع دفعته الى تشكيل حكومة كفاءات "مستقلة" واجهت عديد الصعوبات كشبح الافلاس والتوفيق بين خيار الاستقلالية وعدم التحزب والمتطلبات الموضوعية للعمل الحكومي والتي تقتضي المحافظة على أغلبية في المجلس النيابي حتى تتمكن الحكومة من بلورة تصوراتها الى نصوص تشريعية نافذة.
وإلى جانب المؤسسة العسكرية، حصل الرئيس على جرعة دعم قوية من أكبر التنظيمات الاجتماعية، حيث دعا الاتحاد العام للشغل وهو التنظيم النقابي الرئيسي الى توفير ضمانات دستورية للقرارات التي اتخذها الرئيس، ومن أهمها ضبط أهدافها وتحديد مدة تطبيقها.
وذكر المكتب التنفيذي للاتحاد في بيان عقب اجتماع طارئ لبحث التطورات، ان «التدابير الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد تأتي وفق الفصل 80 من الدستور لاحتواء الأزمة وإعادة الأمور إلى مجاريها». وأكد الاتحاد حرصه على ضرورة التمسك بالشرعية الدستورية في أي إجراء يتخذ في هذه المرحلة. وأبدى رفضه للجوء أي طرف مهما كان موقعه او موقفه او دواعيه الى العنف ولسياسة التشفي وتصفية الحسابات.
وأشاد الاتحاد بالمؤسسة العسكرية، داعيا جميع الأطراف إلى النأي بها عن التجاذبات السياسية ومراجعة التدابير الخاصة بالقضاء لضمان استقلاليته. كما أثنى على التحركات الاجتماعية والشعبية السلمية التي انطلقت في العديد من المحافظات. وأوضح ان «الوقت قد حان لتحمل المسؤوليات وإنهاء هذه الحقبة». لكن رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي، الذي يرأس حزب النهضة الإسلامي المعتدل، ندد بقرارات سعيد، باعتبارها اعتداء على الديموقراطية ودعا التونسيين للخروج إلى الشوارع احتجاجا عليها.
وعلى غرار الانقسام في الطبقة السياسية يشهد الشارع التونسي انقساما بين مؤيدي قرارات الرئيس ورافضيها.
ومع انزلاق البلاد إلى أزمة دستورية جديدة، اندلعت مواجهات وتراشق أنصار الفريقين المتناحرين بالحجارة أمام مبنى البرلمان، حيث انتشرت قوات من الجيش في محيطه بمنطقة باردو بالعاصمة.
وتقابل أنصار سعيد وأنصار حزب النهضة خارج مبنى البرلمان وتبادلوا السباب والإهانات وألقوا الزجاجات. وقال شاب ذكر ان اسمه أيمن «نحن هنا لحماية تونس. رأينا كل المآسي في ظل حكم الإخوان المسلمين» إشارة الى حزب النهضة.
ومنع المئات من مناصري الرئيس سعيد، مؤيدي حزب النهضة من الاقتراب من زعيمهم الغنوشي الذي كان معتصما داخل سيارة أمام البرلمان رفقة نواب آخرون من النهضة منذ الفجر، ومصحوبا بنائبته سميرة الشواشي عن حزب «قلب تونس». لكن قوات الجيش منعتهم من الدخول. ودعا الغنوشي «كل القوى السياسية والمدنية والفكرية إلى ان يقفوا مع شعبهم للدفاع عن الحرية»، معتبرا أن «الشعب التونسي لن يقبل الحكم الفردي مجددا» واتهم في مقطع فيديو على صفحته الرسمية سعيد «بتحويل النظام من نظام برلماني ديموقراطي الى نظام رئاسي فردي استبدادي».
وأكد الغنوشي أن الرئيس لم يستشره قبل أخذ القرارات استنادا إلى الفصل 80 من الدستور.
بدورها، ظهرت الشواشي في مقطع فيديو وهي تخاطب قوات الجيش التي تحرس البرلمان «من فضلكم دعونا نمر، نحن حماة الدستور». وأجابها أحد العسكريين «نحن حماة الوطن ونطبق الأوامر». وبعد ساعات غادر الغنوشي ساحة باردو أمام البرلمان. وأفاد موظفون بأن قوات الجيش منعتهم من الدخول إلى مقر رئاسة الحكومة أيضا وطوقته.
وجاءت هذه الخطوات بعد يوم من الاحتجاجات ضد الحكومة وحزب النهضة، الذي ندد بدوره في بيان نشر عبر فيسبوك بـ «انقلاب على الثورة والدستور». وأيدته الأحزاب ذات الأعداد الأكبر من مقاعد البرلمان، مؤكدة أن المادة 80 لا تدعم خطوة سعيد.
وانضم حزبان رئيسيان وهما قلب تونس والكرامة إلى حزب النهضة في اتهام سعيد بالانقلاب، بعد إعلانه تعليق الحصانة البرلمانية وتوليه رئاسة مكتب النائب العام.
كما ندد كل من حزب «قلب تونس» و«ائتلاف الكرامة» بالقرارات. ودعت كتلة حزب (قلب تونس) النيابية بعد اجتماع طارئ لها «التمسك بدولة القانون والمؤسسات وبالدستور واحترام الشرعية الانتخابية»، معتبرة في بيان أن «القرارات المتخذة هي خرق جسيم للدستور وأسس الدولة المدنية».
ودعت الكتلة البرلمان الى الانعقاد فورا، مطالبة رئيس الحكومة المشيشي بـ «تولي مهامه الشرعية وتفادي إحداث فراغ في مؤسسة رئاسة الحكومة».
كذلك رفض حزب «التيار الديموقراطي»، الذي دعم سعيد سابقا في عديد المواقف، توليه كل السلطات أيضا. وقال إنه يختلف مع تأويل الرئيس التونسي للفصل 80 من الدستور ويرفض ما ترتب عنه من قرارات، لكنه حمل في بيان أمس «مسؤولية الاحتقان الشعبي والأزمة وانسداد الأفق السياسي للائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة وحكومة هشام المشيشي».
في المقابل، أكد القيادي في حزب (حركة الشعب) وزير التجارة التونسي السابق محمد المسيليني في تصريح صحافي، أن الإجراءات التي اتخذها قيس سعيد «حققت حماية لوحدة الدولة واستقرارها ولم يكن أمامه إلا هذه القرارات لحماية الدولة ومواصلة عملها».
وفي السياق ذاته، أيد النائب عن (حركة الشعب) هيكل المكي قرارات الرئيس سعيد، قائلا: «هذا ما كنا ننتظره من الرئيس التونسي»، مؤكدا أن «الخطر الداهم» الوارد في الفصل 80 من الدستور التونسي والذي استند إليه سعيد في اتخاذ قراراته «واضح وجلي».
وكان سعيد أعلن عقب اجتماع طارئ عقده في قصر قرطاج مع مسؤولين أمنيين، أنه سيتولى بنفسه السلطة التنفيذية «بمساعدة حكومة يرأسها رئيس الحكومة ويعينه رئيس الجمهورية».
وهدد «أنبه الكثير الذين يفكرون في اللجوء للسلاح.. ومن يطلق رصاصة ستجابهه القوات المسلحة بالرصاص».
ونقلت وكالة «رويترز» عن مصادر أمنية قولها إن الرئيس التونسي كلف خالد اليحياوي، المدير العام لوحدة الأمن الرئاسي، بالإشراف على وزارة الداخلية بعد إقالة الحكومة. ولاحقا أعفى الرئيس وزيري الدفاع إبراهيم البرتاجي والعدل حسناء المنصوري من منصبيهما. وقالت الرئاسة في بيان ان هذه الإعفاءات دخلت حيز النفاذ ابتداء من أمس الأول، مضيفة ان الكتاب العامين والمكلفين بالشؤون الإدارية والمالية برئاسة الحكومة والوزارات المذكورة سيتولون تصريف أمورها الإدارية والمالية إلى حين تسمية رئيس حكومة جديد وأعضاء جدد فيها.
وعلى صعيد ردود الفعل الدولية ، أبدت الولايات المتحدة امس، قلقها إزاء إقالة رئيس الحكومة التونسية ودعت إلى احترام "المبادئ الديموقراطية" في البلاد التي تعد مهد "الربيع العربي".
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي "نحن قلقون إزاء التطورات في تونس"، وأعلنت أن "التواصل قائم على أعلى مستوى" وان واشنطن "تدعو إلى الهدوء وتدعم الجهود التونسية للمضي قدما بما يتوافق مع المبادئ الديموقراطية".
وأضافت أنه من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان الرئيس التونسي قيس سعيّد نفذ انقلابا، مشيرة إلى أن وزارة الخارجية ستجري تحليلا قانونيا للتطورات.