على غرار حرب الجواسيس التي كانت سائدة إبان الحرب الباردة بين أميركا والاتحاد السوفييتي السابق، فوجئ العالم امس بإعلان السلطات الاميركية عن حملة اعتقالات طالت عشرة اشخاص متهمين بالتجسس لحساب روسيا في الولايات المتحدة، وهو ما نفته موسكو، معتبرة انه اتهام غير صحيح وغير مناسب. وأوضحت في بيان عن الخارجية الروسية «في رأينا ان هذه المزاعم لا اساس لها وان وراءها اهدافا مغرضة»، وأضافت «لا نفهم الاسباب التي دفعت وزارة العدل الاميركية الى القيام بتصريحات علنية باسلوب قصص الجواسيس الذي كان سائدا ابان الحرب الباردة».
وتابع «على اي حال، من المؤسف للغاية ان يحدث كل ذلك في خضم اعادة اطلاق العلاقات الروسية الاميركية التي اعلنت عنها الادارة الاميركية نفسها».
الاستهجان الروسي جاء ردا على ما أفادت به وزارة العدل الاميركية في بيان عن اعتقال عشرة أشخاص الأحد الماضي، ومثل خمسة منهم أمام قاض فيدرالي في نيويورك امس وامر بإبقائهم قيد الاحتجاز، فيما اعتقلت الشرطة القبرصية العضو الحادي عشر، في مطار لارنكا بينما كان يستعد للتوجه إلى بودابست استنادا لمذكرة من الانتربول، على ما أفاد به مصدر في الشرطة القبرصية.
وقالت الوزارة ان المعتقلين متهمون بالعمالة لروسيا في مهمة «طويلة المدى» لتجنيد جواسيس داخل الولايات المتحدة في حملة اعتقالات جاءت بعد تحقيقات استمرت عدة سنوات نفذتها عدة أجهزة أمنية على رأسها مكتب التحقيقات الفيدرالية (اف.بي.آي).
وأعلنت الوزارة أن المعتقلين العشرة كانوا يجندون عملاء آخرين لكنهم لم يتورطوا بشكل مباشر في أعمال تجسس.
ووجهت للموقوفين تهم العمل كعملاء لحكومة أجنبية واتهم تسعة منهم بعمليات غسيل أموال، ويواجهون احكاما بالسجن لمدة تصل الى 25 عاما، واعتقل العشرة في حملات دهم شملت بوسطن ونيوجيرسي وفرجينيا ونيويورك بعد أن كانوا قيد المراقبة لفترة طويلة.
وقال نائب المدعي العام الأميركي مايكل فاربيارز إن مذكرات اعتقال نفذت في «جميع أنحاء البلاد»، لافتا إلى أن هذه القضية ليست سوى «رأس جبل الجليد» وأردف «عناصر هذه المجموعة تلقوا تدريبات معا».
وتقول مستندات المحكمة إن بداية الخلية الروسية تعود إلى فترة تسعينيات القرن الماضي.
ولم يوجه القاضي جيمس كوت التهمة رسميا إلى كل من سينثيا وريتشارد مورفي وخوان لازارو وفيكي بليز وآنا تشابمن غير انه رفض اطلاق سراحهم بكفالة بسبب «مخاطر فرار» الموقوفين.
وقال روبرت م.باوم محامي آنا تشابمان متحدثا للصحافيين اثر مثول المرأة الشابة امام النيابة العامة في نيويورك أول من أمس، انها مواطنة روسية في الثامنة والعشرين من العمر انتقلت للاقامة في الولايات المتحدة منذ فترة قصيرة واسست شركة وكانت تحمل جواز عمل سحب منها السبت الماضي.
ودعا المحامي الى اطلاق سراحها بكفالة، لكن القاضي رد طلب الدفاع معتبرا بعد الاطلاع على شكوى مكتب التحقيقات الفيدرالي (اف.بي.آي) انه «من الصعب ان تكون بريئة تماما».
وان كانت كل عناصر التشويق متوافرة بامتياز في هذه القضية من رسائل مشفرة وحبر خفي ومبالغ نقدية يسلمها مبعوثون روس في دولة ثالثة من اميركا اللاتينية وزيارات خاطفة الى موسكو عبر روما وجوازات سفر مزورة واجهزة كمبيوتر محمولة تنتقل من شخص الى آخر، الا ان مستوى الخطر لا يظهر بشكل واضح.
وجاء في الاتهام ان «المركز في موسكو طلب من سينثيا مورفي عام 2010 السعي للحصول على وظيفة يمكن ان تضعها على اتصال بمصادر في الحكومة الاميركية، غير ان مجموعة متآمرين في نيوجرسي ردت ان مورفي تخشى ان تطلب منها تفاصيل دقيقة حول مسارها المهني».
وحدد القاضي الجلسة المقبلة يوم غد للاستماع الى طلبات الموقوفين الآخرين باطلاق سراحهم بكفالة، كما اعلن عن جلسة اولية في 27 يوليو المقبل.
وقبل القيام بحملة الاعتقالات، تسللت عناصر الـ «اف.بي.آي» سرا الى شقق هؤلاء «الجواسيس» المفترضين في نيويورك وبوسطن وسياتل لالتقاط صور ونسخ اقراص صلبة، كما قاموا بملاحقتهم ومراقبتهم والتنصت عليهم، وتحدثوا اليهم مدعين انهم عملاء من الحكومة الروسية.
وكشف المحققون عن ترسانة من وسائل الاتصال، مثل تقنية تشفير المعطيات في صور يتم بثها فيما بعد على مواقع عادية على الانترنت او عبر الموجات القصيرة مباشرة الى موسكو.
كما استخدم اثنان من العملاء دائرة مغلقة على الانترنت للتواصل مع الروس، فكانت عميلة تجلس في مقهى مثلا وترسل عبر حاسوبها المحمول معلومات في حوزتها الى ممثل للحكومة الروسية المختبئ داخل شاحنة صغيرة متوقفة في الجانب الآخر من الشارع.
وكان العملاء يلقبون الشخصيات المستهدفة التي كانوا يسعون للاتصال بها بــ«بغاء» او «هرا» او «مزارعا» وهي يمكن ان تكون «مستشارا سابقا لدى احد النواب» او «مسؤولا ماليا كبيرا في نيويورك».
لكن الـ «اف.بي.آي» اشار الى انه رغم وسائل التخفي المتطورة والمتنوعة المستخدمة، الا ان العملاء لم ينجحوا في جمع معلومات مهمة.
من جانبها، ذكرت شبكة «سي.ان.ان» الأميركية أن فيكي بليز وكانت بين الذين مثلوا اول من امس أمام المحكمة، هي كاتبة عمود تعمل في صحيفة «اليداريو» التي تصدر باللغة الإسبانية.
على الطرف المقابل، اعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أمس أن بلاده تنتظر توضيحات حول الاعتقالات.
وقال لافروف متحدثا من القدس المحتلة «لم يوضحوا لنا المسالة. آمل ان يشرحوا لنا ذلك».
كما سخر من توقيت صدور الاعلان عن اعتقال الاشخاص العشرة المشتبه بهم في قضية التجسس، بعد ايام قليلة على زيارة الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف الى الولايات المتحدة في سياق السياسة التي ينتهجها مع نظيره الاميركي باراك اوباما لتحريك العلاقات الثنائية.