في اليوم الأخير من الاستفتاء في جنوب السودان شهدت مراكز الاقتراع أمس في جوبا عاصمة الجنوب إقبالا ضعيفا، خصوصا من قادمين من ولايات سودانية أخرى أصروا على الاقتراع للانفصال الذي بات مؤكدا، في حين اقتربت نسبة الاقتراع في بعض المكاتب من 90%.
وقال الرئيس الاميركي الاسبق جيمي كارتر في تصريح له في الخرطوم «لاحظنا أن عملية الاستفتاء جرت بطريقة منتظمة في الشمال والجنوب».
وأضاف كارتر الذي يترأس «مركز جيمي كارتر» الذي يعنى خصوصا بمراقبة الانتخابات في العالم «استنادا الى المعلومات التي بحوزتنا فإن نسبة المشاركة في الجنوب قد تكون وصلت الى 90% والى نحو 50% في الشمال، انها نسبة تؤمن الطابع التمثيلي للاستفتاء».
وتابع الرئيس الاميركي الأسبق ردا على سؤال حول موقف الشمال من نتيجة الاستفتاء في حال كانت لصالح الانفصال «اعتقد انهم سيعترفون على الفور بنتيجة الاستفتاء».
وأفاد مراسل «فرانس برس» بأن حوالي عشرة أشخاص فقط اقترعوا في مركز مقام في الساحة المجاورة لضريح الزعيم التاريخي لجنوب السودان جون قرنق بين الساعتين الثامنة والتاسعة (الخامسة والسادسة بتوقيت غرينتش).
وكان هذا المركز الذي يعتبر الاكبر في جوبا شهد طوابير طويلة في اليومين الاول والثاني من الاقتراع الاحد والاثنين الماضيين.
وتبين ان غالبية المقترعين هم من الذين سبق ان تسجلوا في جوبا ثم غادروها الى مناطق اخرى، فكان لابد لهم من العودة لأنه لا يحق لهم الاقتراع الا في المكان الذي تسجلوا فيه.
المسؤول في المركز من قبل مفوضية الاستفتاء مانيانغ مالوك الكوت قال ان الساعة الاولى للاقتراع امس لم تشهد سوى مشاركة نحو عشرة اشخاص.
وأضاف في تصريح لوكالة «فرانس برس» ان «اقل من 100 شخص اقترعوا امس الاول بينما وصلت نسبة المشاركة الاجمالية في المركز الى 88% منذ الاحد الماضي حتى امس».
وأوضح ان «أكثر من 11 ألف شخص اقترعوا حتى الآن من أصل 12258 مسجان» في هذا المركز.
وأوضح ان اقفال مراكز الاقتراع أبوابها تم في الساعة 18.00 امس مستبعدا تمديد الاستفتاء بعد ان وصلت نسبة المشاركة فيه الى هذه النسبة المرتفعة.
ويفترض ان تصل نسبة المشاركة الى 60% من المسجلين كحد ادنى لاعتماد النتيجة، حسب اتفاقية السلام بين الشمال والجنوب الموقعة عام 2005.
والمشاركة في الاستفتاء تكون عبر الاختيار بين «الوحدة» و«الانفصال» وبات من المؤكد ان الجنوبيين صوتوا بغالبية ساحقة الى جانب الانفصال.
وشهدت منطقة ابيي الواقعة على الحدود بين شمال وجنوب السودان اشتباكات بين قبائل الدنكا نقوك الجنوبية وقبائل المسيرية العربية اوقعت عشرات القتلى، الا انها لم تؤثر على عمل الاستفتاء.
وكان من المفترض ان تشهد ابيي استفتاء يتزامن مع الاستفتاء حول استقلال الجنوب ليعبر فيه سكان هذه المنطقة عما اذا كانوا يريدون ان ينضموا الى الشمال او الجنوب.
لكن الخلافات حول من يحق له المشاركة في هذا الاستفتاء اجبرت السلطات على إرجائه الى اجل غير مسمى، ومن غير المتوقع ان تعلن نتائج الاستفتاء قبل مطلع فبراير المقبل.
الى ذلك وصل إلى جوبا في جنوب السودان خمسة من أعضاء مجلسي العموم واللوردات البريطانيين، في زيارة رسمية لتأكيد الدعم البريطاني للسلام والاستقرار في البلاد.
وقال اللورد نظير أحمد عضو الوفد، قوله إنهم سيلتقون في جوبا و«الفريق أول سلفا كير ميارديت رئيس حكومة الجنوب ود.رياك مشار نائب رئيس حكومة الجنوب وجيمس واني رئيس برلمان الجنوب».
ونقلت صحيفة «الرأي العام» السودانية عن نظير تأكيده «انهم يحملون رسالتين لبرلمان الجنوب، والبرلمان السوداني لتثبيت دعائم السلام في السودان».
السودان.. متى تداعى كل شيء؟
أتذكر صرخة «من سينقذنا الآن»؟ المدوية التي أطلقها اهل الجنوب في السودان حدادا على زعيمهم الراحل جون قرنق، وترن في أذني اليوم مثلما حدث في 2005 عندما دفن السودان وحدته مع قرنق.
ومثلت وفاة قرنق في تحطم طائرة هيليكوبتر بعد مجرد أسابيع من تسلمه منصب نائب الرئيس نقطة تحول في تاريخ السودان.
والآن صوت الجنوبيون في استفتاء لانفصال عن الشمال مع دخول اتفاق السلام الذي أنهى أطول حرب أهلية في افريقيا، أيامه الاخيرة.
أتذكر جيدا الجو المشحون الذي عم بعد عودة قرنق الظافرة إلى الخرطوم ومن بوسعه أن ينسى؟
وشهد السودان نهضة حيث رفعت حالة الطوارئ وأزيلت كل نقاط التفتيش العسكرية من كل مكان وتدفقت الاستثمارات الاجنبية وافتتح أول مطعم أجنبي للوجبات السريعة مما اعتبر دليلا على التقدم.
وتحدى أفراد في الحركة الشعبية لتحرير السودان التي كان يرأسها قرنق الشريعة الاسلامية وجلسوا على الطريق الرئيسي يحتسون زجاجة من الويسكي في وضح النهار، وبدأت قوات الامن السودانية فجأة تخاف الجنوبيين بعدما ظلت لسنوات تثير الخوف، كان سودان جديدا بحق.
وعند سماعه خبر وفاة قرنق، سألني صديق من شمال السودان في رسالة نصية بائسة عبر الهاتف قائلا «هل نحن أمة ملعونة»؟
وفتح النبأ طوفانا من الكراهية تحول إلى أسوأ أشكال العنف، وبدأ الجنوبيون الذين يعتقدون أن الخرطوم قتلت بطلهم في قتل الشماليين وحرق المتاجر والسيارات وكل ما هو أمامهم.
ولم تتدخل قوات الامن السودانية لايام فيما حدث وشكل شبان مسلحون بكل ما تقع أيديهم عليه عصابات وقاموا بدوريات ليلا لحماية أحيائهم.
كان الجميع يحملون السلاح، وانتقلت الحرب إلى الخرطوم للمرة الاولى ولا يمكن لاحد أن ينسى.
ومع تراجع القتل أدى سلفا كير نائب قرنق اليمين الدستورية لتولي منصب رئيس جنوب السودان في ظل مراسم كئيبة.
ويصف الجنوبيون الشماليين بأنهم «غلابة» وهو الوصف الذي يعود لايام تجارة العبيد.
وقالت الشرطة لصديق لي سرقت سيارته في الخرطوم وعثر عليها في جوبا إنه يجب أن يدفع 5000 جنيه (ألفي دولار) لاسترجاعها لأنه «عربي» غني.
هل كانت هذه الافكار ستتغير لو كان قرنق قد عاش؟ أود أن أجيب عن هذا السؤال بنعم. يعطيني الجيل الجديد الامل.
ففي الجامعات بالخرطوم يختلط أبناء الشمال والجنوب بحرية دون مشاكل في الفصول وأثناء الغداء.
لكن مع اقتراب انفصال الجنوب ومع الزخم الذي يكسبه التهديد بعزل الجنوبيين عن الشمال أخشى ألا يتمكن الجانبان من الاختلاط مجددا.
تلفزيون جنوب السودان شعاره «أفريقي أصيل» ولغته «عربي جوبا» و«الإنجليزية»
باستوديو واحد ومذيعين ومقدمي برامج هواة، يستعد تلفزيون جنوب السودان لأن يتحول الى التلفزيون الرسمي للدولة الجديدة تحت شعار «افريقي اصيل»، موزعا برامجه بين الإنجليزية و«لغة عربي جوبا».وتعتبر هذه اللغة الأقرب الى اللهجة، القاسم المشترك لغويا بين سكان الجنوب اكثر من اللغة الإنجليزية الرسمية التي هي وقف على المتعلمين.
ويستخدم الأميون الذين يشكلون 85% من السكان لغة «عربي جوبا» كما يسميها الجنوبيون، إضافة الى لغاتهم المحلية. وهي لغة عربية ركيكة دخلتها كلمات افريقية كثيرة بلكنة محلية ظاهرة بقوة.
مقر التلفزيون في وسط جوبا عبارة عن استوديو يتيم وغرفة صغيرة ملحقة به للتقنيين ومدخل بسيط لاستقبال الزوار تستخدمه المذيعات أيضا للتبرج.
ولولا عمود إرسال طويل وطبقان كبيران لالتقاط الأقمار الاصطناعية في باحة المقر، لما كان بالإمكان التفريق بين هذا البناء المتهالك والمنازل المتواضعة المحيطة به.
مدير عام الإذاعة والتلفزيون في جنوب السودان اروب بقات تينقدوت يعمل بـ «بموازنة متواضعة جدا» لم يكشف عنها، ويؤكد ان «غالبية الموظفين من المتعاونين وليسوا مثبتين بعد ورواتبهم بسيطة جدا».
ويقول في حديث مع وكالة فرانس برس من مقر مؤقت له خارج مقر التلفزيون «لولا الحماس الذي لدينا لمواكبة ولادة الدولة الجديدة لما كنا أصلا أنشأنا تلفزيون جنوب السودان عام 2008 المتصل بالقمر الاصطناعي عربسات».
ويضيف «ليس لدينا محترفون ولا كوادو، والمذيعون ومقدمو البرامج هواة وقفوا امام الكاميرا من دون استعداد ولا تدريب» معتبرا ان المطلوب قبل كل شيء «هو اعداد دورات تدريبية للموجودين والسعي لاستقطاب كوادر من الخارج لديهم خبرات في المجال التلفزيوني لاحداث النقلة النوعية المطلوبة».
ويتابع ان «المال شحيح وهو يأتي حصرا من حكومة الجنوب ولا مساعدات خارجية بعد».
وأضاف بقات تينقدوت ان «ساعات البث التلفزيوني مقسمة بالتساوي بين الإنجليزية والعربية، فهناك نشرة أخبار يومية بالإنجليزية وأخرى بالعربية الفصحى، في حين تعتمد البرامج الحوارية لغة (عربي جوبا»).ويوضح ايضا انه «يتم يوميا ولوقت قصير بث رسائل بـ 16 لغة ولهجة محلية هي عبارة عن اخبار مهمة لها علاقة بسكان الأرياف بشكل خاص».