أثار تخلي الرئيس المصري حسني مبارك عن منصبه وتولي المجلس الاعلى للقوات المسلحة مسؤولية البلاد تساؤلات بشأن الدستور الحالي الذي اسقطته الثورة الشعبية، ومصير التعديلات الدستورية المطلوبة لاختيار رئيس للجمهورية.
ونقلت صحيفة «الشرق الاوسط» اللندنية عن د.عاطف البنا استاذ القانون الدستوري في جامعة القاهرة قوله: ان الثورة الشعبية اسقطت الدستور الحالي، وانه حتى لو توافقت القوات المسلحة والمجلس الاعلى للقوات المسلحة على العمل وفق هذا الدستور لفترة فسيكون هناك تجميد فعلي للنصوص التي تتعلق بنظام الحكم او كيفية تولي السلطة، خصوصا المواد 76 و77 و74 وغيرها من النصوص.
واضاف البنا: ان كل شرعية او قرارات تم اتخاذها من جانب الرئيس المتنحي حتى مساء امس الأول انتهت، وليس لها اي مدلول او سند دستوري، وتشمل هذه القرارات منصبي نائب الرئيس ورئيس الحكومة، وكذلك اللجنة الدستورية التي تم تشكيلها بقرار جمهوري قبل ايام، باعتبار ان هذه القرارات تمت في ضوء نظام سابق اسقطته الثورة، وهو ما يعني ان القرار الآن بيد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، التي لها حق اتخاذ اجراءات كيفية ادارة البلاد وبمن تستعين.
وتوقع البنا الا تستعين القوات المسلحة باقطاب او اشخاص من رموز النظام السابق، وان حدث ذلك فسيكون لايام فقط لحين اعلان الخطة الكاملة للقوات المسلحة. وأوضح البنا ان الدستور هنا يعطي الحق لرئيس المحكمة الدستورية العليا في ان يكون ضمن المجلس الرئاسي الذي يمكن ان يتم تشكيله، نافيا تولي رئيس مجلس الشعب او نائب رئيس الجمهورية المسؤولية في ادارة مصر، وهو ما ارجعه البنا الى ان البرلمان معترف رسميا وشعبيا انه جاء بالتزوير وبالتالي ستتخذ الادارة الجديدة قرارا بحله.
واشار البنا الى ان الاطار الزمني هو ما سوف تتوافق عليه القوات المسلحة، في اطار تشكيل حكومة انتقالية اغلبها من المدنيين ووجود عسكريين لضمان التنفيذ ومراقبة الاداء.
ومن جانبه قال د.ثروت بدوي استاذ القانون الدستوري وصاحب مشروع الدستور الجديد الذي تعكف عليه حاليا لجنة من المعارضة لدراسته وتقديمه للمجلس الاعلى للقوات المسلحة «الجيش الآن في ادارته يقع تحت رقابة الثورة والشعب، ولا يحق لاي مسؤول يتولى البلاد في الفترة الانتقالية ان يستخدم الدستور المعيب لتطبيق نصوصه في ادارة البلاد، معترفا بأن النصوص في مجملها اصبحت غير ذات قيمة في ظل الشرعية الدستورية». وطالب بدوي الجيش بأن يعلن في اقرب وقت عن تشكيل لجنة لوضع دستور جديد يأخذ في الاعتبار المطالب الشعبية والحقوق والواجبات التي اقرتها الثورة. مشددا على ان ما حدث لا يمكن ان يسمى انقلابا عسكريا ولكنه ثورة شعبية حمتها وساندتها القوات المسلحة.
وعلى الجانب الآخر، اكد عضو مجلس القضاء الاعلى المستشار احمد مكي، عضو اللجنة الدستورية التي اصدر مبارك قرارا بتشكيلها والتي بدأت فعليا قبل ايام دراسة لتعديل 6 مواد، ان اللجنة ستستمر في عقد جلساتها لدراسة المواد الدستورية المقترح تعديلها، نافيا ان يكون عملها انتهى بالتنحي.
بعد رحيل مبارك.. مصر إلى أين؟
الى ذلك وفي حين احتفل المصريون حتى الفجر امس بنشوة النصر، حذر محللون من ان التحدي الأكبر يكمن في حقبة ما بعد مبارك وإعادة بناء البلاد.
وقال كينيث بولاك، مدير مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط في معهد «بروكينغز»: «مشاكل مصر بدأت قبيل مبارك ولن تنتهي بعد الإطاحة به».
وأضاف في تعقيب أدلى به لـ «سي.ان.ان»: «بل هي نتاج الفساد، وأنظمة راكدة وقمعية ساهم مبارك في ترسيخها لكنها تتجاوز في وقتنا الراهن الى ما أبعد من شخصه».
وفي رد فعله على تنحي مبارك من منصبه، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما: ان الشعب المصري قال كلمته، ومصر لن تعود كما كانت، و«هذا اليوم يوم الشعب المصري».
ويتخوف مراقبون بشأن مدى استعداد الجيش للتخلي عن السلطة لصالح نظام ديموقراطي، حيث قال دانيال بايمان، من «معهد بروكينغز»: «لمصر تاريخ طويل من الحكم العسكري».
لكنه استدرك بالاشارة الى التقدير الراسخ الذي يكنه الشعب المصري للمؤسسة العسكرية، فطوال فترة الانتفاضة وقف الجيش موقف المحايد، بحماية كلا الطرفين، المحتجين ونظام مبارك، ودعا العديد من المحتجين حينها القوات المسلحة للتدخل وتولي زمام السلطة كحكومة تسيير أعمال.
وأضاف بايمان: الأمل هو ان يدرك الجيش ان صورته المؤسسية ومبعث فخره سيتعرضان للضرر إذا ما أنشأ كيانا ديكتاتوريا آخر.
وبدوره لفت ماركو فيزينزينو، من «المشروع الاستراتيجي الدولي» الى ان على المؤسسة العسكرية المصرية لإبداء مدى حرصها على مصالح الشعب، العمل أولا على رفع قانون الطوارئ، الذي استخدمه مبارك طوال فترة ولايته لحكم البلاد بقبضة حديدية.
وأشار بايمان الى ان استمرار نشر دبابات في شوارع مصر واستمرار العمل بقانون الطوارئ سيؤكدان أن مصر مازالت تدار كدولة بوليسية، وهو ابرز نقاط محور الاحتجاجات التي خرجت الى شوارع مصر في «يوم الغضب» في 25 يناير الماضي.
وأضاف قائلا: «الشرطة ليست هناك بذات طريقتها القمعية، ولكن هناك دبابات في الشوارع وليس هناك بدائل منظمة، السؤال هو: هل هناك مؤشرات موثوق بها بأن الجيش على مسار لا يمكنه التراجع عنه؟».
ويتفق المحللون على ان مستقبل مصر قد يتحرك نحو اتجاهات شتى، وعقب بايمان قائلا: «عندما تكون جميع المؤسسات فاسدة، فلمن تسلم زمام الأمور؟ هناك نقطة شائكة: الشعب المصري توحد حول ضرورة رحيل مبارك، لكن هل سيتوحد بشأن ما ستبدو عليه بلادهم في السنوات المقبلة؟ انت بحاجة لبعض الوحدة والرؤية».