بيروت ـ عمر حبنجر
في خطوة تمهد لإنهاء حالة «الفراغ الرئاسي» في لبنان، وافق العماد ميشال عون رئيس كتلة الاصلاح والتغيير، على ترشيح قائد الجيش العماد ميشال سليمان للرئاسة، مشترطا «تذليل العقبات الدستورية» المانعة لانتخابه، والالتزام بمبادرته التي اطلقها بعد لقائه الاخير مع النائب سعد الحريري.
ويقتضي ذلك تعديل المادة 49 من الدستور التي تنص على منع موظفي الفئة الاولى من الترشح للرئاسة قبل سنتين من تركهم الوظيفة، علما ان التعديل الدستوري بحاجة الى تعاون البرلمان مع الحكومة لإقراره، وهو ما يثير اشكالية بسبب اعتبار المعارضة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة فاقدة للشرعية والدستورية.
الا ان توافق المعارضة والموالاة على ابعاد شبح الفراغ ومخاطر اندلاع حرب اهلية في لبنان قد يفضي بهما الى «تسوية تاريخية» تنقذ الجمهورية وتخرجها من دائرة التبعية لسياسة المحاور الاقليمية والدولية.
وقال عون بعد اجتماع كتلة التغيير والاصلاح النيابية التي يترأسها «ادعم ترشيح العماد سليمان واتعامل معه بجدية ولا اعارضه».
وتابع عون «لو قبلوا بمبادرتي لكان العماد سليمان احد الاسماء التي سأقترحها»، في اشارة الى مبادرته عشية انتهاء ولاية الرئيس السابق اميل لحود في 24 الجاري والتي قبل فيها التخلي عن ترشيحه على ان يسمي مرشحا من خارج كتلته النيابية، مقابل ان يسمي رئيس كتلة تيار المستقبل (اكثرية) النائب سعد الحريري رئيسا حياديا للحكومة.
وكان الوزير المستقيل محمد فنيش (حزب الله) اعتبر في وقت سابق ان طرح ترشيح سليمان «يتطلب حلا سياسيا - يتمثل في موافقة العماد عون - وحلا دستوريا في كيفية تعديل الدستور».
مخارج الأزمة
ويبدو ان مخارج الازمة بدأت تتحضر على نار حامية، خاصة من قبل رأسي المجلس النيابي والحكومة.
وقال رئيس المجلس نبيه بري، في تصريح له امس، انه ابلغ كل من يعنيهم الامر بأنه مستعد لإيجاد الآليات التقنية للتعديل الدستوري، متحدثا عن اربع طرق للتعديل، «لكن يبقى الاساس التوصل الى توافق سياسي بين المعنيين»، وابرز هذه الطرق عودة الوزراء المستقيلين الى الحكومة لكي تصبح شرعية وتستطيع بالتالي تعديل الدستور بالتعاون مع البرلمان.
واضاف: انا قمت بواجبي منذ عام 2006 حتى اليوم، وكل المبادرات التي اطلقتها تم تعطيلها، والآن انا في غرفة الانتظار وعليهم ان يتوافقوا هم، اي المعارضة والاكثرية، وسألكون موافقا كرئيس للمجلس ورئيس لكتلة نيابية على اي خيار يتبناه الجانبان.
وبدا رئيس المجلس متوجسا من طريقة تسريب ترشيح العماد سليمان الى وسائل الاعلام.
وقد عقب احد نواب 14 مارس لـ «الأنباء» على كلام الرئيس بري بالقول: ان الرئيس بري نفسه كان قد طرح اسم العماد سليمان اثناء استقباله وزير الخارجية المصري احمد ابوالغيط في بيروت.
وبدت الامور سالكة ايضا من جهة الحكومة، حيث قال رئيسها فؤاد السنيورة ردا على سؤال، في احتفال تكريمي للاعبين لبنانيين احرزوا ميداليات في الدورة العربية، «لم اقل اني اقطع يدي ولا اوقع تعديلا للدستور، وليس من عادتي ان اقول كلاما من هذا، وهذه اقوال مدسوسة، وانا مع الحفاظ على الدستور وكنت اتمنى انتخاب رئيس خلال المهلة الدستورية لكن ذلك لم يحصل».
وسئل: هل تؤيد وصول العماد سليمان الى رئاسة الجمهورية؟ فأجاب: هذا الموضوع موضع تشاور جدي وان شاء الله نصل الى النتيجة التي تؤمن مصلحة لبنان.
ونقل عن السنيورة انه لن يدعو الى انعقاد مجلس الوزراء من اجل التعديل الدستوري الا بالتفاهم مع الرئيس بري.
في غضون ذلك، اعرب مصدر في المعارضة عن خشيته من الاقدام على حرق خيار تعديل الدستور من جانب الاكثرية من خلال اي خطوة غير توافقية تقدم عليها، كالدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء بغياب الوزراء المستقيلين ومن ثم رمي الكرة في ملعب مجلس النواب واقحام هذا الخيار الانقاذي في متاهات دستورية لا تنتهي.
وقال المصدر المعارض ان هناك خطوتين لا بد منهما للوصول الى التعديل الدستوري هما التوافق السياسي واساسه موافقة العماد ميشال عون على التعديل، وهذا ما حصل، ثم تأتي الخطوة الثانية المكملة وهي الذهاب الى مجلس النواب من اجل التعديل.
رأيان في التعديل
وبالنسبة لتعديل الدستور هناك رأيان، الاول يقول ان المادة 75 من الدستور التي تنص على ان المجلس عندما يلتئم كهيئة ناخبة ليس بامكانه ان يقوم بأعمال تشريعية قبل ان ينتهي من الانتخابات، وهذه النقطة غير محققة في الحالة الراهنة، لأن المجلس وان دعي الى انتخاب رئيس فإنه لن يلتئم، اما الرأي الثاني فيقول عندما تقتضي مصلحة البلاد العليا القيام بعمل وفاقي فإن ذلك يصبح فوق الدستور وقبل النص، ويشير اصحاب هذا الرأي الى ان البطريرك صفير مع تعديل الدستور اذا اقتضت مصلحة الوطن ذلك، وان هذه المصلحة يجب ان تحدو المنكرين لشرعية حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، على الالتفات الى متطلبات هذه المصلحة.
رعد لاستقالة الحكومة
وكان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد قد رعد جدد المطالبة باستقالة الحكومة، وردت مصادر الاكثرية باعتبار مثل هذه المطالبة غير منطقية، لأنه في حال استقالة الحكومة يتعذر تعديل الدستور، ووصفت هذا الطلب بأنه سياسي محض.
اما الرئيس بري الذي مازال يرى الصورة «رمادية»، فقد حث الافرقاء على الاتفاق و«المجيء اليّ»، كأنه يرغب في تحييد نفسه عن التجاذبات المستجدة.
تويني: بري سيبارك الاجماع
ولا يبدو ان ثمة مشكلة تواجه العماد سليمان في واشنطن وباريس والعواصم الاوروبية، اما الدعم العربي له فقد بات تحصيل حاصل بعد التناغم المصري - السعودي حول اسمه، فضلا عن القبول السوري، وان لم يتظهر بعد تماما، بانتظار تبلور جميع المواقف.
وقال النائب غسان تويني، بعد لقائه بري ظهر امس، ان الرئيس بري ينتظر الاجماع ليبارك، لكن هذا الاجماع لايزال مترددا، واضاف ان الاجماع يتطلب فتوى حول من اين يبدأ التعديل؟ من عند السنيورة صعودا ام يعود اليه عند النواب؟ مستبعدا ان يكون بري على علم بترشيح سليمان، كما ان الاكثرية لم تشاوره في الامر، واعتبر تويني ان الاجماع متعثر لأن العماد عون «فاتح على حسابه»، واعتبر نفسه البطريرك المدني ودعا السياسيين اليه.
وردا على سؤال حول ما اذا كان ترشيح سليمان من نتائج انابوليس وبفعل تسوية اميركية - سورية، قال: هيدا تهبيط حيطان من جنبلاط، واضاف: انا شخصيا لست مع العسكر، لكن الآن لا تجوز الخربطة.
تأجيل الجلسة إلى الأربعاء
وتوقعت الاذاعة الناطقة بلسان حزب الله تأجيل جلسة الانتخاب المقررة اليوم.
وطرحت الاذاعة اسئلة عدة حول توقيت اعلان «تيار المستقبل» ترشيح العماد سليمان لرئاسة الجمهورية وطريقة اجراء التعديل الدستوري في ظل حكومة غير شرعية، ما اثار تحفظات المعارضة حول ما اذا كان هذا الطرح مجرد مناورة او طرح لمبادرة انقاذية، او ان الهدف هو اختبار العماد سليمان او تمرير التعديل لحساب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
الصفحة في ملف ( pdf )