شدد د.محمد البرادعي الامين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية على ضرورة توخي الحذر قبل اتهام بلد ما بامتلاك أسلحة الدمار الشامل وحذر من أن أى هجوم عسكري ضد ايران بسبب برنامجها النووي سيزيد الأمر تعقيدا.
ووصف البرادعي في حديث لمجلة «باري ماتش» الأسبوعية الفرنسية تقرير وكالة المخابرات المركزية الأميركية الذي أفاد في شهر ديسمبر الماضى بأن ايران جمدت برامج تطوير الاسلحة النووية منذ عام 2003 بأنه كان بمنزلة هدية جميلة تواكبت مع احتفالات أعياد الميلاد.
وقال البرادعي - وهو رجل قانون مصرى يرأس وكالة الطاقة الذرية منذ عام 1997 - إن هذا التقرير يؤكد مرة أخرى - بعد العراق - صواب الوكالة لا سيما أنه لا يوجد ثمة دليل على أن إيران تسعى لامتلاك أسلحة نووية. وأضاف ان التقرير من شأنه أن يعيد التوازن ويمنح الديبلوماسية فرصا جديدة بعيدا عن التصريحات الحربية الأميركية. مؤكدا أن طهران لا تشكل تهديدا للسلام، ومعربا عن أمله في الا تسعى أميركا الى شن هجوم ضد إيران.
وحذر البرادعي من أن أى هجوم ضد ايران سوف يزيد الأمر تعقيدا، مشيرا الى أن الايرانيين لا يمتلكون مواقع نووية مهمة وأن الاعتداء على منشآتهم النووية سيؤدى فقط الى تأجيل برنامجهم لعدة شهور ولكنهم سرعان ما سيستأنفون أنشطتهم النووية ولكن بصورة سرية هذه المرة.
واستطرد قائلا إن الشعب الايراني كله بما فيه من معارضين سيدعم - في مثل هذه الحالة - البرنامج النووي لأغراض عسكرية، مشيرا الى الغضب العارم الذى يجتاح العالم الاسلامي لشعوره بالمهانة وما سيتردد عن ذلك الهجوم من نتائج خطيرة أهمها زيادة التطرف حال اندلاع صراع جديد فى المنطقة بعد العراق وأفغانستان.
وحول أهمية المفاوضات فى الملف النووى الايراني قال البرادعي لـ «باري ماتش» إن هذا الملف لا يمثل سوى جزء من عملية مركبة تمتد لتشمل أمن الشرق الأوسط والعالم الاسلامي.
ومن أجل إعادة الثقة، دعا البرادعي الى ضرورة الحديث عن العراق وأفغانستان وفلسطين ولبنان وكذلك عن المتطرفين وحقوق الانسان، وأيضا إثارة موضوع الفقر.
وقال «الكثير من سكان هذه المنطقة يعيشون بأقل من دولارين فى اليوم الواحد ومثل هذا الأمر غير مقبول على المستوى الأمني، وبعيدا عن الاعتبارات الأخلاقية، فإن هؤلاء سينتهي بهم الأمر بأن يكونوا متطرفين لأنهم ليس لديهم ما يخسرونه ويشعرون بالمهانة، فالانسان لا يولد ولديه رغبة في تفجير نفسه ولا يولد ارهابيا. لذا يتعين علينا أن نجد البيئة التي تسمح للفرد بأن يعيش بكرامة وفي سلام وبحرية».
وبشأن الدروس المستفادة من الصراع فى العراق، شدد البرادعي على ضرورة توخي الحذر قبل اتهام بلد ما بامتلاك أسلحة الدمار الشامل. وقال «لقد فقد مئات الآلاف من العراقيين حياتهم بسبب المعلومات الكاذبة، زد على ذلك أن استخدام القوة لا يحل المشاكل والدليل أن الوضع يزداد سوءا في العراق وفي المنطقة ككل.
وفيما يتعلق بمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، قال البرادعي انه بموجب القانون تتمتع إيران بحق انتاج الطاقة النووية ولكن اعتراض الأسرة الدولية يثير عدة مسائل أساسية حول جدوى هذه المعاهدة، لذا لابد وأن يخضع تخصيب اليوارنيوم من الآن فصاعدا لتفتيش متعدد الأطراف، شريطة أن يتم تطبيق هذا النظام على الجميع بمن فيهم القوى الكبرى.
وأضاف «يتعين على مثل هذه القوى أن تفهم أنها اذا ارادت أن يكتسب هذا النظام صفة الديمومة لابد أن يكون عادلا فحينما وقعت الدول النووية - أميركا وفرنسا وانجلترا والصين وروسيا - على المعاهدة، تعهدت بنزع سلاحها النووي ولكنها أبعد ما تكون عن هذه التعهدات، حيث يوجد الآن 27 ألف رأس نووي جاهزا فى العالم».
واعتبر البرادعي أن الايرانيين يعدون برنامجا نوويا ليس لأسباب اقتصادية فقط ولكن لأنهم لا يشعرون بالأمان.
وقال «إذا شعر بلد ما بأنه يفتقر للأمان، فسيبادر على الفور الى امتلاك السلاح النووي أو في أقل التقديرات امتلاك برنامج لتخصيب اليورانيوم كوسيلة من وسائل الحماية والنفوذ والهيبة».
ورأى المسؤول الدولي استحالة استمرارية هذا النظام الذي يقوم على أساس الفصل بين دول تمتلك السلاح النووي وبين اخرى لا تمتلكه، مشيرا الى أنه يتعين على الدول الكبرى أن تكون نموذجا يحتذى به، لا أن تدعي حاجتها لمثل هذا السلاح في الوقت الذي تتهم فيه الاخرين بأنهم يهددون الأمن العالمي.
وأعرب محمد البرادعي الامين العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية فى حديثه لمجلة «باري ماتش» عن أمله في أن يأتي اليوم الذى ينظر فيه العالم الى السلاح النووي، كما ينظر اليوم الى العبودية أو الابادة الجماعية.
وردا على سؤال حول احتمالات وقوع «هيروشيما» جديدة، أجاب البرادعي «بنعم» في حالة عدم تغيير النظام الحالي، حيث تمتلئ الكرة الأرضية بالعديد من الأسلحة الذرية.
وقال «من الممكن أن نستيقظ ذات يوم لنرى نصف الكرة الأرضية وقد اضرمته النيران وذلك بسبب خطأ معلوماتي بسيط».
الصفحة في ملف ( pdf )