-
الجنود الأميركيون العائدون من العراق لم يصدّقوا أن الحرب انتهت
«بغداد بناها المنصور وأعزها صدام»، كان هذا شعارا زين الكثير من المباني في العاصمة العراقية بغداد قبل غزو عام 2003 الذي أطاح بالمقبور صدام حسين.
بعد ذلك بنحو تسعة أعوام ومع رحيل آخر ما تبقى من القوات الأميركية حل شعار جديد محل هذا الشعار وهو «بغداد بناها المنصور وأذلها صدام ودمرها الأميركيون».
وسحبت واشنطن آخر ما تبقى من قواتها في العراق امس الأول.
وهم يتركون وراءهم دولة تعاني من انقسامات طائفية وعرقية ومازالت تسعى جاهدة لاحتواء تمرد وارتباك سياسي بعد الصراع الطائفي الذي دفع البلاد الى شفا حرب أهلية عامي 2006 و2007.
وليس هناك من مكان يدلل على تشرذم العراق افضل من بغداد العاصمة التي بناها الخليفة العباسي ابو جعفر المنصور عام 762 ميلادية على نهر دجلة وكانت مركزا للعالم الإسلامي لفترة طويلة.
ومن بين رموز الانقسام جسر الكريعات وهو جسر للمشاة بني عام 2008 حتى يتمكن الناس من التنقل بين المناطق التي يغلب على سكانها الشيعة دون ان يضطروا للمرور بمنطقة الأعظمية التي يغلب على سكانها السنة.
ويتهم كثيرون الغزو الأميركي مباشرة بإثارة الانقسامات الطائفية في دولة سحق فيها «المقبور» صدام الذي ينتمي للأقلية السنية اي بوادر على المعارضة من جانب الاغلبية الشيعية بلا رحمة لكنه نجح في تقليص مظاهر الانقسامات الطائفية في الحياة اليومية.
وقال ابو عصام وهو يعبر الجسر «لم يكن هناك سنة او شيعة قبل الأميركيين، لم تكن هناك طائفية، انا شيعي وابناي متزوجان من امرأتين سنيتين».
كان العراق ذات يوم قوة سياسية مؤثرة ومركزا ثقافيا مزدهرا في الشرق الأوسط لكن هويته على مر السنين تغيرت بناء على من يحكمه وتنعكس هذه التغيرات في المناظر الموجودة بمناطق الحضر ببغداد.
ويقول الكثير من العراقيين إنهم كانوا يعتقدون أن الغزو الأميركي سيحقق لهم الديموقراطية والرخاء بعد سنوات من الحرب والعقوبات الاقتصادية والقمع على يد أجهزة الأمن في عهد المقبور صدام، واذ بالكثيرين يشعرون بالخيبة الآن.
من جهة أخرى طلب رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من البرلمان عزل نائب سني في حين قالت مصادر أمنية ان مذكرة اعتقال صدرت بحق النائب السني لرئيس الجمهورية مما يهز الائتلاف الطائفي الهش في اليوم الذي يرحل فيه آخر جندي أميركي عن العراق.
وقالت مصادر أمنية ومشرعون أمس الأول ان مذكرة اعتقال صدرت بحق طارق الهاشمي وهو واحد من نائبين للرئيس. وقالوا ان سياسيين سنة وشيعة تدخلوا لوقف تنفيذ امر الاعتقال.
وقال مشرعون ايضا ان مسؤولا برلمانيا تسلم طلب قدمه المالكي لسحب الثقة من نائب رئيس الوزراء صالح المطلك.
ويعتبر الهاشمي والمطلك ـ وهما من ابرز الشخصيات السياسية السنية ـ من قيادات كتلة العراقية وهي ائتلاف علماني يدعمه كثير من السنة لكنه شريك في حكومة الوحدة الوطنية التي يقودها المالكي. وقال امير الكناني المشرع الذي ينتمي إلى كتلة شيعية ان رئيس الوزراء ابلغ البرلمان انه لا يستطيع العمل مع المطلك بعد ذلك. وأضاف الكناني انه اذا كان هذا الأمر سيؤثر على أداء الحكومة فسوف يقف البرلمان مع رئيس الوزراء. وعلقت كتلة العراقية البرلمانية مشاركتها في البرلمان السبت الماضي متهمة حكومة المالكي التي يقودها الشيعة بتركيز السلطات في ايديها.
واتهم عضو البرلمان عن العراقية احمد العلواني إدارة المالكي بالقيام بعملية «استهداف سياسي» مستعينة بقوات الأمن والنظام القضائي ضد خصومها السياسيين.
وقال لـ «رويترز»: انه يجب ان تكون هناك وسيلة للتعامل مع هذه الموضوعات من دون استبدال الاحتفال بانسحاب الولايات المتحدة بتسييس المسائل الأمنية لاستهداف الخصوم السياسيين.
في هذا الوقت، ذكرت صحيفة «ذي كريستيان ساينس مونيتور» الأميركية أمس الأول انه مع مغادرة آخر رحلة طيران عسكرية أميركية للأراضي العراقية، فإن الحرب في العراق بالنسبة للعديد من الجنود المبتهجين على متن الطائرة سي 17 «قد انتهت وحان وقت العودة إلى الوطن». وأشارت الصحيفة ـ في تقرير نشرته أمس وأوردته على موقعها الإلكتروني ـ الى أن الجنود على متن الطائرة العائدة من العراق كانوا في حالة احتفال ممزوجة قليلا بالشك، حيث ان طاقم طائرة الشحن سي 17 كان قد أبلغ في مهمات سابقة بأنها ستكون آخر رحلة خارج البلاد التي شنت عليها الولايات المتحدة الحرب قبل ثماني سنوات ونصف السنة.