سيمون روميرو
في خطوة جديدة لإحكام قبضته على مقاليد البلاد لجأ الرئيس الڤنزويلي هوغو شاڤيز مرة أخرى إلى استخدام سلطاته الرئاسية الواسعة، التي تتيح له إصدار مراسيم دون استشارة البرلمان، لإعادة تنظيم شامل لأجهزة الاستخبارات في البلد، الامر الذي أطلق ردود فعل قوية من جماعات حقوق الإنسان وخبراء القانون، إذ أن القانون الجديد - حسب رأيهم - سيجبر المواطنين على الإخبار عن بعضهم البعض لتفادي دخول السجن والتعرض لمضايقات أجهزة الدولة.
فبموجب قانون الاستخبارات الجديد الذي دخل حيز التنفيذ اخيرا سيتم استبدال الجهازين الرئيسيين في ڤنزويلا - الشرطة السرية والاستخبارات العسكرية - بجهازين جديدين، هما مكتب الاستخبارات العامة، والمكتب العام لمكافحة التجسس، بحيث يكون الجهازان معا خاضعين لسلطة شاڤيز المباشرة، ويطالب القانون الجديد تعاون الناس مع أجهزة الاستخبارات، والشرطة السرية ومدهما بالمعلومات اللازمة.
وفي حالة الرفض سيتعرض الأشخاص العاديون لسنتين إلى أربع سنوات من السجن، أو أربع إلى ست سنوات بالنسبة لموظفي الدولة.
وفي معارضة نادرة من القضاء علقت «بلادنكا روزا مارمول» - قاضية في المحكمة العليا في ڤنزويلا - على ذلك بقولها: «إننا أمام مجموعة من التدابير التي تهددنا جميعا، ومن واجبي الجهر برأيي كمواطنة وقاضية، إنها خطوة لخلق مجتمع من المخبرين»، وتعكس هذه التغييرات الكبيرة في أجهزة الاستخبارات الجهود التي يبذلها شاڤيز لبسط سيطرته على مؤسسات الدولة، رغم التحديات السياسية التي برزت عقب الهزيمة القاسية لمقترح التعديلات الدستورية في شهر ديسمبر الماضي، وانتكاسة تطلعاته لتوسيع سلطاته وإنشاء مجتمع اشتراكي.
غير أن شاڤيز دافع عن المشروع، وأصر أن الهزيمة لن تخمد طموحاته الرامية إلى تحويل ڤنزويلا إلى دولة اشتراكية، معتبرا القانون الجديد ضمانة لحماية «الأمن القومي» والتصدي «للهجمات الإمبريالية».
انتقد شاڤيز معارضي القانون ووضعهم في خانة العملاء «للإمبريالية» في إشارة واضحة إلى الولايات المتحدة، وكان القانون، الذي أقره الرئيس الڤنزويلي بموجب سلطاته الرئاسية والهادف إلى حماية ڤنزويلا من التدخلات الخارجية بحسب رأيه، ليعكس تاريخا طويلا من العداء بين الحكومتين في «كراكاس» وواشنطن يرجع على الأقل إلى الدعم الضمني الذي أبدته إدارة الرئيس بوش لانقلاب قصير ضد شاڤيز في العام 2002 وكانت ڤنزويلا قد زعمت في الآونة الأخيرة أنها تعرضت لاستفزاز عسكري من قبل الولايات المتحدة، مشيرة إلى انتهاك الطائرات الأميركية للأجواء الڤنزويلية، فضلا عن تفعيل واشنطن مؤخرا لأسطولها الرابع، وقيامه بدوريات في مياه الكاريبي وسواحل أميركا اللاتينية، وفي رده على معارضي القانون اتهم شاڤيز نشطاء حقوق الإنسان والمدافعين عن الديمقراطية بمساندة إدارة الرئيس بوش وقانون مكافحة الإرهاب في أميركا الذي يسمح لأجهزة الاستخبارات بمراقبة المكالمات الهاتفية والبريد الإلكتروني.
لكن القانون الجديد المنظم للاستخبارات في ڤنزويلا يتيح أيضا لأجهزة الأمن استخدام «الأساليب التقنية الخاصة» القادرة على رصد المعلومات والحصول عليها بما يعني ذلك إمكانية التنصت على المكالمات ومراقبة البريد الإلكتروني، والأكثر من ذلك يدل القانون الجديد على مدى تأثير كوبا، الحليف الرئيس لڤنزويلا، في إعادة تنظيم عمل أجهزة الاستخبارات، لا سيما الاعتماد على ما يسمى بمجموعات مراقبة المجتمع التي تتولى جمع المعلومات من المواطنين مثلما هو جار في كوبا.
وفي هذا السياق يقول جوان جوسي مولينا (عضو في البرلمان من حزب «بوديموس» اليساري الذي خرج من تحالف شاڤيز في العام الماضي): «إن ما نشهده حاليا هو نسخة طبق الأصل من السياسة الكوبية، ويبدو أن حكامنا يريدون فرض قوانين قديمة للتمسك بالسلطة»، وقد أوضح وزير الداخلية الڤنزويلي رامون رودريغز لدى إعلانه قانون تنظيم الاستخبارات أن الغرض منه هو مكافحة «التدخل الأميركي» وذلك من خلال الحرص على أن تكون عناصر الاستخبارات «ملتزمين أيديولوجيا».
لكن السيد رودريغز عاد ليخفف من لهجته يوم الإثنين الماضي مطمئنا المنتقدين أن القانون لن يحد من حرية التعبير السياسي قائلا «إننا نتكلم عن مسؤولية جماعية لجميع الڤنزويليين في حماية بلادهم ومواجهة الجرائم».
ولعل ما زاد من حدة الانتقادات للقانون في أوساط المعارضين وأثار شكوك الناس ومخاوفهم هو إقراره خلف الأبواب المغلقة من دون طرحه للنقاش العام داخل قبة البرلمان.
وانصبت مخاوف الحقوقيين بصفة خاصة على ذلك الجزء من القانون الذي يطلب صراحة من القضاة والمدعين العامين التعاون مع أجهزة الاستخبارات ومدهم بالمعلومات.
وفيما جاءت لغة القانون، وبخاصة الفقرة التي تتحدث عن دور رجال القانون في التعاون مع الاستخبارات، غامضة وملتبسة، يرى الخبراء أن القضاء الذي يُفترض به مراقبة أجهزة الاستخبارات ومحاسبتها سيصبح رهينة لها.
ومن بين المنتقدين للقانون «خوسي ميجيل فيفانسو»، مدير «هيومان رايتس ووتش» المسؤول عن الأميركيتين، حيث يرى أن «الحكومة الڤنزويلية لا تؤمن بمبدأ فصل السلطات، فنحن أمام حالة يصدر فيها الرئيس مرسوما يقضي بأن يتحول القضاة إلى جواسيس لأجهزة الاستخبارات».
ويحتار المراقبون في تفسير التوقيت الذي اختاره شاڤيز لإصدار القانون الجديد في الوقت الذي تعرف فيه البلاد مصاعب اقتصادية تتمثل في تراجع النمو وارتفاع معدل التضخم.
والواقع أن خطوة شاڤيز لا يمكن إدراجها الا في إطار رغبته المستميتة للسيطرة على مؤسسات الدولة وتطهيرها من معارضيه وإقصائهم من الوظائف المهمة.
عن «نيويورك تايمز»
صفحة قضايا في ملف ( pdf )