إذا عدنا إلى حساب معادلة بسيطة جدا وهي أن راتب المواطن السوري في كثير من الوظائف الحكومية لا يتعدى 15 ألف ليرة.
وعليه أن يدفع شهريا فواتير الكهرباء والمياه والجوال، عدا المبلغ المترتب على الطعام والشراب، وتكاليف المدارس والاحتياجات الأخرى، بل يحتاج الأمر إلى العمل في أكثر من عمل ووظيفة لتلبية جميع الطلبات.
ومع ذلك ما أن نصل إلى منتصف الشهر حتى يبدأ رب العائلة بالتذمر والشكوى.
فمن هي الفئة المجتمعية التي تتوجه إلى تلك الماركات لشراء فستان بسيط بقيمة 4 أو 5 آلاف ليرة؟ وهل صار الأمر عبارة عن هوس، بات يشغل الكثيرين، ويستغل تلك الطاقات في «الشوبينغ» فقط...؟
وما النتائج التي ترتبت على دخول مثل هذه المصطلحات إلى السوق؟ وما الأسباب التي دفعت الشباب إلى الركض وراء الموضة؟ وهل المسؤولية تقع على شبابنا الذين جعلوا من أنفسهم وجبات سريعة، رغبة بالتقليد، أم انها أيضا عبارة عن جزء من حرب العولمة الثقافية والفكرية والمادية والإعلامية؟
حاجة أم هوس؟
تجاوزت هذه الظاهرة القدرة الشرائية للكثير من الفتيات والشبان، وبات الأمر أشبه بالهوس رغبة بالتفرد والتميز، دون الأخذ بعين الاعتبار مدى قيمة الحاجة المرادة من تلك السلعة، بل صار التبضع وسيلة للترفيه ومرضا نفسيا يجر الشخص للشراء من دون وعي للقيمة المدفوعة، هذا ما أشارت إليه وئام العلي (32 عاما- موظفة) وأضافت: المشكلة أن الكثير من أبنائنا لا يقدرون جهد الأب والأم في العمل لتلبية كل ما يرغبونه، وتزداد طلباتهم إلى حد لا يطاق في شكل يفوق القدرة الشرائية للعائلة، ومع ذلك يتوجهون إلى تلك الأسماء التجارية كنوع من الهوس رغم أن بضاعتهم قد لا تختلف كثيرا عن البضاعة الأخرى الموجودة في الأسواق الشعبية.
ثقافة اجتماعية
في حين ترى هناء حمود (25 عاما) أن الشراء من تلك الماركات العالمية لا يعد هوسا، بل تذهب إلى أكثر من ذلك لتقول إن هذه الظاهرة تحولت إلى ثقافة اجتماعية انتشرت بين الفتيات بمختلف الطبقات، فلم تعد تلك الأسماء حصرا على الطبقة الغنية من المجتمع، وإنما أيضا تصر الفتيات الفقيرات على الشراء منها ولو بكمية بسيطة، قد تقتصر مثلا على قميص تلبسه طول العام، لمجرد أنه من ماركة معينة. فكما بات الموبايل ونوعه قيمة وميزة للشخص الذي يحمله كذلك الثياب التي يرتديها، مع أن الحاجة الوظيفية منهما بسيطة جدا.
السعر الغالي
على الرغم من ارتفاع الأسعار لهذه البضائع المنتشرة وبطريقة لا تصدق، إلا أن ذلك لم يقلل من القوة الشرائية لدى المستهلكين الذين لا يشغلهم سوى هاجس الماركات.
فقد وصلت بعض الأسعار إلى آلاف الليرات السورية بغض النظر عن نوع المنتج الذي قد لا يكون ممتازا أو جيدا وإنما تقليد للبضائع العالمية.
ومع ذلك هناك من يشتري هذه البضائع للتفاخر فقط بسعرها الغالي جدا.
وهذا ما استغربه الشاب أنس المهيار الذي أضاف: بصراحة لم أتصور في يوم من الأيام أن لدينا هذه الطبقة الاجتماعية المترفة جدا، والتي قد تشتري حقيبة بسعر 11 ألف ليرة، وحذاء بسعر 25 ألف ليرة.
ومازلت أتساءل عن نوع هؤلاء الناس، الذين لا يفكرون سوى بالمظاهر في الوقت الذي توجد في بلادنا طبقة اجتماعية معدمة، منتشرة في الطرقات، بحثا عن لقمة عيش تسند بها يومها الضائع.
تنزيلات
تشكل التنزيلات لأصحاب الطبقة المتوسطة والفقيرة والتي تعاني من هوس الماركات أملا في الشراء منها للتباهي أيضا بما لديهم.
لكن وعلى الرغم من خفض الأسعار، إلا أنها تبقى باهظة الثمن في بعض الأسماء التجارية وليست جميعها، وهذا ما قد يدعو للمفاجأة عند الكثير من المستهلكين ليخرجوا من تلك الماركات وعلامة الذهول تسيطر على وجوههم، ومن دون أي تعليق، هذا ما أصاب بعض الفتيات اللواتي فرحن بقدوم موسم التنزيلات لكنهن عدن بخيبة أمل كبيرة بسبب الأسعار العالية جدا للبضائع الجيدة والجميلة خفضها للبضائع التي قد لا يشترينها بأبخس الأسعار.
هذا ما أشارت إليه راما داوود التي أضافت: هناك بعض البضائع قد لا أشتريها حتى لو وجدتها منتشرة على البسطات.
ومع ذلك تثمن بأعلى الأسعار. وهذا لا يقبله عقل.
لكن هناك الكثير من المجانين لدينا الذين يقبلون بتلك المقولات، ليتجهوا مباشرة لشراء الاسم وليست البضاعة..
حمى الماركات أعمت عيون المستهلكين، وهذا ما أثر في السوق المحلية لعدم اقتناعهم ببضاعتنا التي تفوق تلك البضاعة في كثير من الأحيان.
هذا ما قاله أحد الشباب الذين يعملون في أحد المحلات التجارية المحلية، وأضاف:
للأسف هذه الظاهرة دفعت أصحاب المحلات إلى فهم أذواق المستهلكين، ومحاولة تقليد تلك البضائع العالمية، وبيعها بأغلى الأسعار.
خاصة أن المستهلك لن يفرق بين البضاعة المقلدة والمغشوشة، إذا تصاحبت مع تلك الأسماء أو كانت تقليدا لها وبذلك انتشرت في السوق إشاعات وإعلانات عن البضاعة الفرنسية والإيطالية لإرضاء أذواق المستهلكين التي باتت ترتبط بتلك الأسما.
واشار الى أن الخسارة الكبيرة التي تضرر منها أصحاب المحلات في البداية هي التي دفعتهم إلى التقليد والغش والبيع بسعر غال لمواكبة هذه الموجة.
صفحة شؤون سورية في ملف ( pdf )