بيروت ـ عمر حبنجر
المشهد اللبناني تبدل أمس، من حال التضامن مع غزة الى حال القلق على الذات، فالصواريخ «المجهولة» التي انطلقت من جنوب لبنان باتجاه الجليل الاعلى، كرست جدية المخاوف التي اعترت اللبنانيين منذ اندلاع حرب غزة، واثبتت وجاهة المنطق الذي لطالما توقع توريط لبنان في المعمعة التي تورطت بها غزة.
موقف الدولة اللبنانية، لم يتأخر في الصدور، وقد سارع رئيس الجمهورية ميشال سليمان ورئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى الاستنكار والى اعلان تمسك لبنان بالقرار الدولي 1701.
السنيورة تشاور مع الرئيس ميشال سليمان ورئيس مجلس النواب نبيه بري ووزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش العماد جان قهوجي، كما بادر الى الاتصال بقائد قوات الطوارئ الدولية العاملة في الجنوب الجنرال كلاوديو غرانسيانو للوقوف على تفاصيل ما حدث.
وشدد السنيورة على القول ان ما جرى في الجنوب يشكل خرقا للقرار 1701، وهذا ما يرفضه لبنان ولا يقبل به، وانه طلب من السلطات المختصة ان تجري تحقيقا بالتعاون مع القوات الدولية، وان تشدد من اجراءاتها.
صواريخ المتضررين
وأكد الرئيس السنيورة ثبات لبنان على موقفه والتزامه بمندرجات القرار الدولي، وان حادثة الاطلاق هي من فعل المتضررين من استقرار لبنان وتريد الايقاع به لاستدراجه الى اوضاع لم يقررها ولا يريدها، وهي تخدم المخطط الاسرائيلي، ولا تخدم مصلحة لبنان ولا المصلحة الفلسطينية او العربية.
الرئيس السنيورة اتصل بالبطريرك الماروني نصرالله صفير، وتداول معه مستجدات الساحة الداخلية.
وعلق البطريرك صفير على الصواريخ التي اطلقت من لبنان اليوم (امس)، معتبرا انها لا تدل على نوايا طيبة.
واضاف امام وفد بلدي: اظن ان هذه الصواريخ لن تطال لبنان ولن يصيب لبنان ما اصاب جيرانه وقد شبعنا قتلا وضربا، وعلينا ان نتوحد، خاصة المسيحيين الذين انقسموا الى فئتين.
عباس زكي يدين
ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي وضع اطلاق الصواريخ من جنوب لبنان في اطار تعكير صفو الامن، رافضا اي اجتهاد لفتح جبهة جديدة، دون ان يكون القرار للدولة اللبنانية.
وقال الوضع في منتهى الخطورة، واسرائيل تفتش عن مخرج من ازمتها، الا اذا كان في الامر فتح لجبهة شرقية.
زكي نفى علمه بالجهة المسؤولة عن إطلاق الصواريخ، ولم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن القصف.
إسرائيل تتهم القيادة العامة
وكانت صحيفة «هآرتس» الاسرائيلية نقلت عن مسؤول سياسي اسرائيلي رفيع تزايد المخاوف اخيرا من اقدام ناشطين من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين (القيادة العامة) بزعامة احمد جبريل على اطلاق الصواريخ باتجاه بلدات شمالي اسرائيل، وان القيادة العامة تنشط في لبنان في ظل رعاية حزب الله، وان الحزب ينوي اظهار التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة عن طريق القيادة العامة التي مقر قيادتها في دمشق، وان حزب الله يتحين الفرصة للرد على اغتيال القيادي في الحزب عماد مغنية، قبل موعد ذكراه السنوية الأولى في فبراير المقبل.
المقاومة تنفي علاقتها
موقف حزب الله، كان محل متابعة وحتى الظهر لم يكن قد صدر اي موقف حول الصواريخ التي اخترقت القرار الدولي 1701 باتجاه نهاريا، الا اوساطا سياسية كثيرة، تعول على موقف الحزب ورأيه في هذا الاستدراج الواضح لبنان المشبع بالحذر والقلق والتوقعات السلبية الى مواجهة منعزلة او منفردة مع الدولة المعادية بالوكالة عن قوى اقليمية اخرى.
ولاحقا نقل وزير الاعلام طرق متري ان حزب الله ابلغ الحكومة اللبنانية عدم تورطه في الصواريخ المطلقة على اسرائيل.
وتبين ان رئيس الوزراء فؤاد السنيورة اتصل بالمعاون السياسي لحزب الله الحاج حسين خليل مستوضحا وجاءه هذا الجواب.
القيادة العامة ومقر قيادتها في دمشق تجنبت صباحا الاعتراف او انكار علاقتها بصواريخ نهاريا وقال الناطق الاعلامي بلسانها انور رجا في تصريحات اذاعية ان اسرائيل هي المسؤولة، داعيا الى توجيه الانظار الى غزة، وقال ان القرار 1701 لم يخرق فحسب بل اصبح باليا، منددا بالموقف العربي الصامت.
لكن عند الظهر صدر بيان عن القيادة العامة بنفي المسؤولية عن اطلاق الصواريخ.
اهالي بلدة «الظهيرة» التي يقال ان الصواريخ اطلقت من اراضي بلدتهم نفوا ذلك تماما، وقالوا ان الصواريخ المجهولة انطلقت من الوديان، وقد استنكروا ذلك.
وجاء النفي قبل أن يطالب أمين عام الجبهة الشعبية احمد جبريل بفتح كل الجبهات مع اسرائيل التي تشن عدوانا وحشيا دخل يومه الثالث عشر على قطاع غزة.
وجاء طلب جبريل في تصريح للصحافيين عقب لقائه رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني الذي يزور سورية حاليا.
وردا على سؤال حول تصريحات سابقة له بأنه في حال استمرار العدوان على قطاع غزة فإن جبهات عسكرية أخرى سيتم فتحها قال «نحن قلنا علينا ان نفتح كل الجبهات فهناك جبهات الضفة الغربية الفلسطينية والجبهة الاردنية والسورية واللبنانية وبالتالي لم نحدد جبهة بعينها».
وفي معرض رده على سؤال حول الصواريخ التي انطلقت من الجنوب وما اذا كانت جبهته هي التي قامت بإطلاق الصواريخ خاصة بعد تهديده بفتح جبهات عسكرية اخرى قال جبريل «نحن سمعنا في صباح هذا اليوم (امس) عن اطلاق صواريخ من جنوب لبنان، ونحن نتفحص هذا الأمر وندرسه وبعد الدراسة المستفيضة والاطلاع على تفاصيله سنقول وجهة نظرنا فيما حدث».
واضاف «نحن وايران وسورية كلنا في خندق واحد ندافع عن كرامة الامة في مواجهة هذا العدوان الاسرائيلي».
وذكر ان القضية ليست قضية صواريخ عبثية كما تقول اسرائيل وتبرر العدوان، مشيرا الى انه لو لم يكن هذا المبرر موجودا لوجدت اسرائيل مبررا آخر لشن العدوان على غزة.
وقال ان «وفد الجبهة اكد خلال اللقاء ازاء المبادرات المطروحة ضرورة وقف العدوان اولا لأننا لا نستطيع ان نتحدث في الامور الأخرى قبل ان يتوقف العدوان».
أمل تجتمع بالفصائل الفلسطينية
رئيس مجلس النواب نبيه بري طلب من قيادة أمل في الجنوب عقد اجتماع مع الفصائل الفلسطينية وابلاغها وجهة نظر الحركة الهادفة الى حماية الاستقرار في الجنوب.
ودعما للموقف الاسلامي بمواجهة هذه التطورات، دعا مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، نائب رئيس المجلس الشيعي الأعلى الشيخ عبدالأمير قبلان لأداء صلاة الجمعة معا اليوم في مسجد محمد الأمين ژ في وسط بيروت.
وشددت قوى 14 آذار على مطالبتها الحكومة باتخاذ كل التدابير لحماية لبنان، مما يبدو انه مخطط له.
وقد عقد اجتماع لمجلس الوزراء مساء امس في السراي الكبير برئاسة الرئيس فؤاد السنيورة أكد فيه على موقف لبنان المتشبث بالقرار 1701 والرافض لأي مس بالاستقرار في الجنوب.
1وتقول اوساط متابعة ان حزب الله لن يكون المبادر الى الهجوم الا ان الصورة ستكون مختلفة، فيما اذا كانت اسرائيل المبادرة، او اذا قامت برد فعل مفرط على عمل كالذي حصل صباح امس.
هذه الأوساط تعتقد ان الجهة الاقليمية التي تمون عادة على الفصيل الفلسطيني المحتمل ان يكون وراء اطلاق الصواريخ، ارادت من هذا العمل توجيه رسالة الى المتفاوضين في مجلس الأمن، بما معناه: نحن هنا.
وفي وقت أعلنت الحكومة اللبنانية عزمها التحقيق لمعرفة الجهة التي اطلقت الصواريخ، قالت قيادة الجيش ان «جهة مجهولة» اطلقت عددا من الصواريخ باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وانه بالتزامن مع ذلك سقط عدد من قذائف المدفعية الاسرائيلية شمالي الناقورة من دون وقوع اصابات.
واضاف البيان الصادر عن مديرية التوجيه في قيادة الجيش، ان وحدات الجيش وبالتعاون مع قوات الأمم المتحدة اتخذت التدابير اللازمة لحماية الأهالي وضبط الوضع منعا للاستغلال والعبث بأمن البلاد.
إغلاق المدارس وبدايات نزوح
في غضون ذلك، انعكس الوضع في الجنوب قلقا عاما تعدى منطقة الجنوب الى بيروت، حيث هرع الأهالي الى اخراج صغارهم من المدارس الرسمية والخاصة، وتقلص حضور الطلاب في الجامعات.
أما في الجنوب، فلم يلتحق الطلاب بمدارسهم، خصوصا في نطاق منطقة صور الحدودية، وقد أقفلت المتاجر والمؤسسات، في حين سجل نزوح من بلدة «الظهيرة» التي يبدو أن الصواريخ الأربعة انطلقت الى نهاريا من أرضها، وذكر بعض الأهالي انهم يتحسبون لردود فعل اسرائيلية أوسع.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )