من المقرر ان تسجل انتخابات 2009 أعلى نسبة تصويت ومشاركة شعبية في تاريخ الانتخابات اللبنانية. والى «المشاركة الكثيفة» تضاف ميزة أخرى هي أن تسجل الانتخابات أعلى درجة التزام باللوائح كاملة وكما هي، وأقل نسبة من التشطيب في انعكاس مباشر لحال الاصطفاف السياسي الحاد الذي يعيشه لبنان منذ 5 سنوات، وستظل العملية الانتخابية وحتى اللحظات الأخيرة محاطة بكل عناصر الغموض والاثارة وخاضعة للتكهنات والمفاجآت أيضا، وحيث من الصعب جدا خارج الدوائر المحسومة نتائجها سلفا تحديد اتجاهات التصويت والنتائج. وهذا ما يجعل حتى الآن ان كل طرف من طرفي الصراع والمواجهة يعتقد جازما وواثقا انه سيكون الفائز وان الأكثرية ستؤول اليه.
في آخر التقديرات الصادرة عن فريق 14 آذار انه سيحتفظ بالأكثرية النيابية مع انخفاض محدود في عدد المقاعد لتصبح 66 مقعدا مقابل 62 مقعدا للمعارضة، وفي المقابل خلصت آخر التقديرات والدراسات التي أجرتها دوائر قريبة من المعارضة ولحسابها ان هناك 60 مقعدا محسوما لمصلحة المعارضة مقابل 50 مقعدا للموالاة، وان التنافس الانتخابي سيكون على 18 مقعدا بينها 10 مقاعد مرجحة للموالاة و8 مقاعد مرجحة للمعارضة، وبما يعني في المحصلة النهائية ان فريق المعارضة سينال 68 مقعدا مقابل 60 مقعدا لفريق الموالاة.
ولأن النتائج متقاربة والفوارق ضئيلة وهوامش الخطأ في التقدير موجودة، فإن النظرة الى مرحلة ما بعد الانتخابات ليست موحدة ولا تتم على أساس اتجاه محدد و«لوحة» واحدة، والتعاطي مع المرحلة المقبلة يجري على أساس ان هناك امكانية لـ 3 أنواع من النتائج و3 سيناريوهات محتملة تبعا للنتائج، حيث يترتب على كل نتيجة انتخابية واقع سياسي معين في اتجاهاته ومساره، وتتغير قواعد اللعبة والمعادلة تبعا للتغير الحاصل في المشهد السياسي والخارطة النيابية. وبالإجمال هناك 3 سيناريوهات متداولة لا رابع لها وهي:
السيناريو الأول: فوز ١٤ آذار «أكثرية لا تحكم»
ثمة احتمال قائم ومطروح بقوة وهو فوز 14 آذار في الانتخابات واحتفاظها بالأكثرية النيابية، ولكن دون المستوى الذي كانت عليه في انتخابات العام 2005 في هذه الحالة تمتلك الأكثرية قدرة التحكم في رئاستي المجلس والحكومة، ولكن من دون انتظار مفاجآت: فرئاسة المجلس محسومة للرئيس نبيه بري رغم وجود «حالات اعتراضية» داخل هذا الفريق على عودته، ويكفي انه يلقى دعم حليفه غير المعلن وليد جنبلاط الذي لن يجد صعوبة في اقناع حليفه الثابت سعد الحريري بأنه لا بديل عن بري وليس هناك من هو أفضل منه لهذه المرحلة، أما رئاسة الحكومة فإنها معقودة اللواء للزعيم السني سعد الحريري. فقد دقت ساعة انتقاله الى السرايا الحكومي، وشعر الرئيس السنيورة انه حان أوان تسليم الأمانة مع الاستمرار في المعترك السياسي نائبا.
المشكلة التي تطرح هنا هي في شكل وتركيبة الحكومة والمعادلة الجديدة التي ستحكمها هل هي معادلة اتفاق الدوحة التي تعطي الأقلية حق الڤيتو والثلث المعطل، أم معادلة الانتخابات الجديدة التي «مسحت» صيغة مؤقتة وظرفية وأعادت الوضع الى نصابه حيث أكثرية تحكم وأقلية تعارض؟
أسئلة كثيرة تطرح في هذه الحالة:
هل يكون الحريري مستعدا لإعطاء الثلث المعطل للمعارضة وللتراجع عن موقف كرره قبل الانتخابات؟
هل يوافق حزب الله على المشاركة في الحكومة من دون هذا الثلث؟
هل يوقع الرئيس ميشال سليمان على مرسوم حكومة جديدة تكون «مشروع أزمة جديدة»؟ أم يلتزم بالمعادلة التوافقية التي أنتجها اتفاق الدوحة وأنتخب على أساسها؟
هل ينتهي مفعول اتفاق الدوحة مع نهاية الانتخابات أم يبقى ساريا بعدها؟ وهل يمكن الفصل في هذا الاتفاق بين روحيته (التهدئة وعدم استخدام السلاح في الداخل) وصيغته السياسية والتطبيقية (حكومة مشاركة وتوافق)؟ وهل يمكن الاحتفاظ بالأولى من دون الثانية؟
اذا ما سقطت صيغة الدوحة وانتهت مفاعيلها بداعي ان الظرف الاستثنائي الذي أوجدها لم يعد قائما، هل يعود الوضع برمته الى ما كان عليه قبل الدوحة وتعود الأزمة الى الشارع؟
أي نموذج حكومي سيعتمد من بين 3 نماذج تعاقبت في فترة ما بين 2005 و2009 وهي الفترة التي أمسك فيها فريق 14 آذار بالأكثرية واستطاع ان يثبت فيها الرئيس فؤاد السنيورة في رئاسة الحكومة ولكنه لم يستطع اقامة وضع حكومي ثابت ومستقر:
-
حكومة ما بعد انتخابات منتصف عام 2005 التي استندت الى قاعدة سياسية ونيابية واسعة ولكنها افتقرت الى صفة «حكومة الوحدة الوطنية» لبقاء فريق مسيحي أساسي (تكتل الاصلاح والتغيير) خارجها، فهل تتكرر هذه التجربة ولكن معدلة بحيث تقتصر المشاركة الشيعية هذه المرة على كتلة الرئيس بري، وهل تؤول الحصة الوزارية المسيحية مرة ثانية الى رئيس الجمهورية ومسيحيي 14 آذار؟
-
حكومة ما بعد الأزمة السياسية نهاية عام 2006 أي حكومة «الأكثرية» وحكومة اللون السياسي الواحد ومن دون مشاركة شيعية من جانب القوتين الشيعيتين الوحيدتين في مجلس النواب: حزب الله وحركة أمل، من الناحية النظرية يمكن تمثيل الطائفة الشيعية بوزراء من خارج هاتين القوتين، ولكن من الناحية العملية الميثاقية يصعب لا بل يستحيل تمثيل الشيعة من خارج ممثليهم المنتخبين والحقيقيين.
-
حكومة ما بعد اتفاق الدوحة منتصف عام 2008 التي أعلنت حكومة وحدة وطنية تضم ممثلين عن كل الكتل والقوى النيابية والسياسية وعلى قاعدة توازن سلبي جعل الأكثرية غير قادرة على ان تحكم وان تفرض ما تريد، وان الأقلية غير قادرة على ان تفرض ما تريده ولكنها قادرة على منع وتعطيل ما لا تريده.
خلاصة الوضع الذي سينشأ وفق السيناريو الأول (فوز 14 آذار) ان هناك أزمة أو تأزيما في الأفق لأن فريق الأكثرية يقف أمام خيارين أحدهما يؤدي الى أزمة حكم وآخر يوصل الى أزمة حكومة:
فإذا وافق على حكومة مشاركة وفق صيغة الدوحة، أي على قاعدة الثلث المعطل، فهذا معناه استمرار الوضع الذي كان قائما منذ سنة أي «أكثرية لا تحكم» وحكومة غير منتجة ووضع يراوح مكانه.
وإذا لم يوافق فريق 14 آذار على اعادة انتاج حكومة ما بعد الدوحة وعلى اعطاء الثلث المعطل لفريق المعارضة، فهذا معناه ان خطر عودة الوضع الى نقطة الصفر والى المربع السياسي الأمني الذي كان قبل سنتين يصبح واردا وبقوة مع كل ما يترتب على ذلك من تداعيات وانهيارات سياسية وأمنية وأزمة متجددة لا يمكن التكهن بمداها ولا بطبيعة وحجم التسوية التي ستخرج الوضع من المأزق والنفق الجديد والتي لا يعرف ما اذا كانت ستنتهي الى «دوحة ـ 2» ويكون ذلك كافيا، أم ان الأمر سيتطلب أكثر من ذلك؟
السيناريو الثاني: فوز المعارضة «أكثرية تتحكم»
منذ أواسط شهر ابريل بدأ احتمال فوز المعارضة «تحالف حزب الله، عون» يتقدم ويبرز كاحتمال جدي يؤخذ في الحسبان.
هذا على الأقل الانطباع الذي يسود في دوائر ديبلوماسية عربية وأوروبية بدأت من الآن الاستعداد لمواجهة مثل هذا الاحتمال الذي يعني في جوهره «وصول حزب الله الى الحكم» مقتنصا فرصة ذهبية ونادرة ومحققا تحولا مهما وقفزة نوعية في مسيرته التصاعدية حيث يضيف الى قوته على الأرض قوة في الحكم، والى شرعيته الثورية كمقاومة، شرعية سياسية «دستورية» كقائد فعلي للفريق «الرابح الحاكم».
وفي الواقع فإن الاهتمام الخارجي الزائد باحتمال فوز المعارضة والمشوب بترقب وقلق يعود الى وجود حزب الله في صلب هذا الفوز وعلى رأسه وكونه المعني الأول بنتائجه حتى وان كان العماد ميشال عون هو «صانع الفوز» والمتسبب فيه ولولاه لما كان حصل.
اذا كان فوز فريق 14 آذار لا يؤتي بوضع جديد ولا يحدث تغييرا كبيرا، بحيث ان مرحلة ما بعد 7 يونيو ستكون بشكل أو بآخر امتدادا للمرحلة السابقة، فإن فوز فريق 8 آذار ينظر إليه على انه نقطة تحول جذري في مجرى الأحداث ومسار الوضع اللبناني وحد زمني سياسي فاصل بين مرحلتين، معلنا نهاية مرحلة بدأت من العام 2005 وبداية مرحلة نعرف متى تبدأ ولكن من غير المعروف بعد كيف تبدأ ومتى تنتهي.
ولأن لبنان مقبل على مرحلة سياسية جديدة بهذا الحجم، فإن مجرد بروز احتمال فوز المعارضة استدعى حالة استنفار دولي غير معلن وحركة اتصالات ديبلوماسية مكثفة لتحديد طريقة التعاطي مع الوضع الجديد أو المستجد ولاحتوائه وحصره حتى لا يأخذ منحى انقلابيا ولا يطيح بالاستقرار اللبناني والأسس التي بني عليها وأهمها ما يتعلق بالتوازنات السياسية الطائفية واتفاق الطائف والقرارات الدولية وفي مقدمتها القرار 1701، ودور ومستقبل «اليونيفيل» والمحكمة الدولية. فالمجتمع الدولي الذي جهد ورغب في رؤية حزب الله ينخرط في الحياة السياسية اللبنانية ويندمج فيها، يقف الآن، في تطور فاجأه وباغته، أمام مشروع من نوع آخر هو انخراط حزب الله في الدولة اللبنانية ليصبح جزءا منها ومشاركا، ومن موقع المتصدر، في قرارها ومؤسساتها. ويحصل هذا الانتقال بطرق سياسية وعبر انتخابات نظيفة مراقبة دوليا ومعترف بنتائجها أيا تكن، على ان العلاقة الدولية مع الحكومة أو السلطة اللبنانية الجديدة وطريقة التعاطي معها تتحددان في ضوء ما سيكون عليه السلوك السياسي لهذه الحكومة وممارستها وموقفها من المسائل والقضايا الأساسية التي تهم المجتمع الدولي، فليس هناك من موقف مسبق ونهائي، وانما سيكون الوضع اللبناني والفريق الحاكم تحت الاختبار والمراقبة المشددة ويبنى على الشيء مقتضاه.
اذا كان الموقف الدولي يتسم بالحذر والترقب، فإن الموقف الداخلي لفريق ١٤ آذار إزاء احتمال كهذا يغلب عليه الطابع التحذيري. فهذا الفريق بدأ منذ أسابيع حملة مركزة في اتجاه كشف المخاطر التي ستنجم عن فوز 8 آذار ووصول حزب الله الى السلطة، حملة يتداخل فيها الخوف مع التخويف: تخويف الجمهور «انتخابيا» لشد عصبه واستنفاره، والخوف «سياسيا» مما هو آت فعليا.
أقطاب وأركان 14 آذار، باستثناء وليد جنبلاط، ينظرون الى فوز 8 آذار على أنه «كارثي» و«انقلاب» بمواصفات ومفاعيل كاملة وان حصل بطرق ووسائل سياسية مشروعة.
وفي تعداد النتائج المترتبة على هذا الانقلاب، يرد ذكر: العودة الى الوضع السابق وضع ما قبل العام 2005 ولكن من دون وجود عسكري سوري، استهداف الطائف، ترويض أو تطويع رئاسة الجمهورية، اهتزاز الاستقرار السياسي، اندلاع حرائق أمنية، انهيارات في الوضع الاقتصادي المالي، ضغوط وعزلة دولية وعربية، إلحاق لبنان بالمحور الإيراني ـ السوري، حرب إسرائيلية مدمرة لا تستثني الدولة ومرافقها هذه المرة. باختصار، لبنان في ظل سيطرة حزب الله سيكون نموذجا مكبرا لـ «غزة» في ظل حكم «حماس».
هذا في المخاوف والهواجس والتخيلات. ماذا على أرض الواقع وأي مسار يسلكه الوضع بعد 7 يونيو في حال فوز المعارضة؟
قبل أشهر كان حزب الله يقلل من شأن الانتخابات ويقول إنها عادية، وكان يركز على استمرار الصيغة الحالية المنبثقة عن تسوية الدوحة «الثلث المعطل» أيا تكن النتائج. ومنذ أسابيع بدأ حزب الله يتعاطى مع الانتخابات ويتصرف على أساس انها مصيرية وبات يجاهر بطموحه الى تحقيق الفوز والحصول على أكثرية نيابية هي «مفتاح» المرحلة الجديدة والتغييرات الكبرى.
رغبة جامحة في الفوز التي يشاركه فيها العماد عون، وجهوزية انتخابية مقرونة بجهوزية سياسية من خلال خطة عمل لمرحلة ما بعد 7 يونيو وبرنامج حكم.
في مرحلة ما بعد 7 يونيو تبرز الاستحقاقات والمسائل والعناوين التالية:
رئاسة مجلس النواب التي لا جدال ولا مشكلة ولا تغيير فيها. ولكن ما سيطرح هو طبيعة الدور الذي يضطلع به الرئيس بري، وما اذا كان يستمر دورا محوريا في مجال الإدارة السياسية للوضع على غرار ما كان مكلفا به ويؤديه في السنوات الأخيرة أم سيطرأ عليه تغيير وانحسار في ظل تقدم حزب الله الى المنصة السياسية وتوليه مباشرة مهمة ادارة الوضع.
رئاسة الحكومة التي تقررها «دستوريا» الأكثرية النيابية وتحددها عمليا كلمة الطائفة السنية وزعامتها. والأسئلة المطروحة هنا: هل تراعي الأكثرية الجديدة الأعراف والتوازنات اللبنانية والحالة السنية عبر اقتراح تولي زعيم المستقبل سعد الحريري رئاسة الحكومة؟ وهل يكون عرضها مشروطا؟ وهل يوافق الحريري على ان يكون رئيسا لحكومة لا يملك أكثريتها وقرارها؟ واذا لم يوافق من هو البديل؟ وهل يكون شخصية معتدلة حيادية لا تشكل تحديا للمشاعر وللطائفة السنية، وثمة 3 مرشحين بدأ التداول باسمهم من الآن؟
التشكيلة الحكومية: سبق لحزب الله (الأمين العام) ان عرض على فريق 14 آذار المشاركة في الحكومة الجديدة متعهدا إعطاءه الثلث المعطل، واضعا بذلك الكرة في ملعب هذا الفريق الذي سيكون أمام خيار من اثنين: اما رفض مبدأ المشاركة أيا يكن العرض المقدم والانتقال الى صفوف المعارضة، واما قبول المشاركة بشروط منها ما يتعلق برئاسة الحكومة وعدد الحقائب ونوعيتها.
هناك في فريق الأكثرية الحالية من يقول ان حزب الله يعرض المشاركة لأنه في حاجة الى وجود الحريري والى غطائه حتى لا يتحمل وحده تبعات ومسؤولية الوضع، لاسيما في المجال الاقتصادي. وهناك من يقول أيضا ان نقاشا كان جرى في أوساط حزب الله قبل فترة حول فكرة ما اذا كان له مصلحة في السعي الى انتصار انتخابي واضح سيكون بمثابة «عبء» أم الاكتفاء بالواقع الراهن وتحسينه قليلا لأنه وضع يعطي حزب الله امتيازات من دون تحمل مسؤوليات. ولكن حزب الله لن «يتوسل» 14 آذار المشاركة وسينصرف الى تشكيل «حكومته» بالتكافل والتضامن مع العماد عون. ولكن اذا استطاع تجاوز عقدة المشاركة لخصومه، ماذا عن الرئيس ميشال سليمان وموقفه، وما هي شروطه ومطالبه الحكومية؟
البيان الوزاري الذي يحدد برنامج الحكومة وموقفها رسميا، وخصوصا من مسألة القرارات الدولية.
العلاقة بين الأكثرية الجديدة والرئيس ميشال سليمان، وما اذا كان قادرا على استمراره في دوره وموقعه كرئيس توافقي.
الحوار الوطني في قصر بعبدا واذا كان سيستمر بعد الانتخابات، وما اذا كان التغيير سيقتصر على بعض الجالسين على الطاولة أم سيشمل مضمون الحوار، بحيث تتقدم مسألة النقاش حول النظام والصلاحيات على «الاستراتيجية الدفاعية».
التغييرات التي ستحصل في الدولة ومراكزها العليا ومؤسساتها الادارية والأمنية. أغلب الظن ان الفريق الأكثري الجديد ليس في وارد تغييرات جذرية وسريعة، وان حزب الله سيكون متأنيا في اتخاذ قرارات وخطوات مدروسة ويحرص في انطلاقته الجديدة وفي المرحلة الأولى على ارسال 3 رسائل في 3 اتجاهات: رسالة تطمين الى المجتمع الدولي مفادها احترام القرارات الدولية خصوصا القرار 1701 ورسالة تهدئة في اتجاه الطائفة السنية عبر اختيار غير استفزازي لرئيس الحكومة والتزام التعاون مع المحكمة الدولية ورسالة دعم وشراكة الى حليفه العماد ميشال عون وجمهوره المسيحي لإشعاره بأنه شريك كامل في الحكم مثلما كان شريكا متقدما في صنع الفوز الانتخابي والانتصار السياسي في انتخابات استثنائية وسياسية بامتياز لم تكن فقط معركة تحصيل مقاعد وتحديد أحجام وانما كانت في وجهها الآخر معركة بين مشروعين ونهجين واستفتاء شعبي على سياسات عون وخياراته، خصوصا خيار «التفاهم» بينه وبين السيد حسن نصرالله.
السيناريو الثالث: تعادل «وسطية ترجح»
من الوارد والممكن ان تنتهي المعركة الانتخابية المتكافئة الى «تعادل سلبي»، فلا يخرج أي من الطرفين فائزا ولا يصل الى رقم الـ 65 (مقعدا) أي الى الأكثرية المطلقة (النصف زائد واحد)، هذه النتيجة تتوقف على قدرة المرشحين المستقلين الذين أقاموا تحالفا انتخابيا مع مرشحي 14 آذار على تحقيق خروقات ملحوظة في دوائر جبل لبنان، وبما يؤدي الى انقاص كتلة العماد عون النيابية من دون ان يصب هذا التقلص في مصلحة قوى 14 آذار وتعزيز حصتها النيابية، وانما يصب في مكان آخر، لتشكل كتلة نيابية مستقلة سياسيا عن فريقي 8 و14 آذار وتدور عمليا في فلك رئيس الجمهورية وتكون بمثابة «كتلة العهد»، وهذه «النواة النيابية» اذا شكلت يمكن ان تتحول الى مركز جذب واستقطاب لنواب آخرين كما يمكن ان ترفدها حالة سياسية جديدة ناجمة عن اقدام كتل وقوى سياسية نيابية كبيرة وصغيرة على «اعادة تموضع» وعن حركة نزوح من معسكري 8 و14 آذار في اتجاه منطقة وسطية بين المعسكرين، وهي المنطقة التي يقف فيها الرئيس ميشال سليمان مع مهمة ادارة دقيقة وصعبة للخلافات والتوازنات.
اذا قامت الكتلة الوسطية وبغض النظر عن حجمها وعدد نوابها، فإنها ستؤدي فورا الى خلط أوراق اللعبة السياسية وفي اتجاهين رئيسيين: كسر «حالة الفرز والاصطفاف الحاد بين معسكرين» التي أدت الى أزمة سياسية متفجرة استوطنت الشارع وتخللها انقسام حكومي واقفال نيابي وفراغ رئاسي، ثم انتقلت بعد اتفاق الدوحة الى حكومة «الانقسام والخلافات» التي بدت عاجزة عن اتخاذ القرارات، أما الاتجاه الثاني فهو تحسين دور وموقع رئيس الجمهورية في ادارة الوضع وتوسيع هامش الحركة وقدرة التأثير لديه من خلال ما سيمتلكه من «قوة وازنة ومرجحة» لا تقاس بحجمها العددي، وانما بتأثيرها السياسي وأهمية دورها في امتصاص التوتر والتطرف وترجيح كفة الاعتدال.
سيكون للرئيس سليمان كلمة مؤثرة في كل استحقاقات والترتيبات السياسية المقبلة: رئاسة المجلس النيابي التي سيتولاها الرئيس بري في كل الحالات والظروف، رئاسة الحكومة التي يرشح لها النائب سعد الحريري بصفته الزعيم السني الأول ورئيس أكبر كتلة نيابية ويدعم رئيس الجمهورية توجها كهذا، الا اذا أراد الحريري رئاسة الحكومة بشروط يرفضها حزب الله وحلفاؤه، ففي هذه الحال، تطرح أسماء شخصيات «وسطية» وفي مقدمها الرئيس نجيب ميقاتي والوزير محمد الصفدي، وكلاهما تربطه علاقة ثقة وتفاهم مع الرئيس سليمان على المستويين الشخصي والسياسي، أما الحكومة فستكون متميزة بأمر أساسي هو «أرجحية» موقع الرئيس سليمان فيها. فإذا كان من ثلث معطل، فإنه يعطى لرئيس ، او صيغة حكومة العشرات الثلاث (10 للرئيس 10 لتيار المستقبل وحلفائه 10 لحزب الله وحلفائه) التي لا تعطي قدرة التعطيل والقرار لأي فريق سياسي، فيما تعطي الرئيس سليمان قدرة الترجيح والتحكم بـ «نصاب الثلثين».
ومع حكومة كهذه، تتوافر امكانية تمديد المفاعيل السياسية لاتفاق الدوحة، فيتكرر البيان الوزاري الحالي بنسخة منقحة، ويستأنف الحوار الوطني مع قوة دفع جديدة تتيح فتح ملف الصلاحيات والتوازن بين السلطات.