أوساط سياسية واسعة الاطلاع تلخص الظروف والملابسات السياسية المحيطة بعملية تشكيل الحكومة الجديدة، والتي تفيد بان عملية التشكيل ليست سهلة وسريعة وإنما ستكون عملية طويلة ومعقدة، في النقاط التالية:
حكومة الوحدة الوطنية جزء من تفاهم سوري - سعودي تم التوصل إليه قبل الانتخابات وحظي بدعم دولي إقليمي، وتضمن بنودا عدة بينها بند تشكيل حكومة وحدة وطنية في لبنان أيا كانت نتائج الانتخابات، بحيث يكون للفريق الخاسر (الأقلية) «حصة وازنة» في هذه الحكومة بما يؤدي الى تحقيق المشاركة في الحكم.
والثغرة في هذا التفاهم (الذي يتضمن وقف الحملات اللبنانية على كل من سورية والسعودية واعتراف كل جانب بمصالح ونفوذ الجانب الآخر في لبنان) انه لا يدخل في تفاصيل الحكومة الجديدة ولا ينص على صيغة محددة، وانما يكتفي بصيغة «غموض بنّاء» بالاشارة الى «الحصة الوازنة»، ويحيل كل التفاصيل المتعلقة بتقاسم السلطة والمراكز الى الأطراف اللبنانية كي تتوافق على ما هو الأنسب والأصلح مع حفظ موقع ودور لرئيس الجمهورية في أي معادلة حكومية مقبلة.
ولذلك فإنه من غير المتوقع حدوث تقدم جوهري في عملية تشكيل الحكومة قبل تبلور التفاهم السوري - السعودي واكتمال عناصره، اذ انه مازال في تفاصيل لبنانية متعددة موضع مفاوضة ومساومة بمواكبة مصرية.
انتخاب بري لرئاسة المجلس وتكليف الحريري برئاسة الحكومة لا يصلح اعتمادهما كمؤشر الى سهولة وسلاسة مرحلة ما بعد الانتخابات. فهذان التطوران هما نتاج واقع في الطائفتين الشيعية والسنية أكدت عليه الانتخابات الأخيرة ولا يمكن تجاوزه، على ان المعركة الجدية تبدأ مع «الحكومة» التي ستكون خاضعة لعملية مفاوضات صعبة قبل الوصول الى تسوية تراعي كل الأطراف وترضيهم.
الطرفان حددا سقفا عاليا للمفاوضات: المعارضة طرحت الثلث المعطل شرطا لحكومة مشاركة حقيقية، وهذا ما قاله امين عام حزب الله السيد حسن نصرالله للحريري في لقائهما الأول قبل التكليف. والأكثرية ترفض إعطاء الثلث المعطل الذي انتهى مع انتهاء ظرفه الاستثنائي والمرحلة الانتقالية الممتدة من اتفاق الدوحة الى الانتخابات. ولكن بصورة علنية ورسمية لم يصدر عن حزب الله كلام عن الثلث المعطل.
الصيغة المطروحة من فريق الأكثرية والأكثر تداولا هي صيغة «16 ـ 10 ـ 4» بحيث يكون لرئيس الجمهورية «مفتاح التحكم» بالحكومة، إن لجهة اعطاء الأكثرية «الثلثين» أو اعطاء الأقلية المشاركة والثلث المعطل، ويكون الرئيس سليمان صمام الأمان وصاحب الكلمة الفصل في القضايا المهمة والأساسية. والصيغة المطروحة من فريق المعارضة هي صيغة الحكومة الحالية
«16 ـ 11 ـ 3» بحيث تتأمن المشاركة الحقيقية لها عبر «الثلث المعطل» لا عبر رئيس الجمهورية ولا عبر ضمانات سياسية من الأكثرية أو شخصية من الحريري، وهذا الحذر يعود الى تجربة الانتخابات النيابية التي أوجدت شرخا في علاقة الثقة بين المعارضة والرئيس وتجربة انتخاب رئيس المجلس التي أظهرت ان الحريري لا يملك قدرة الايفاء بتعهداته والسيطرة على موقف الأكثرية واتجاهاتها. وبين هاتين الصيغتين هناك الصيغة المطروحة من رئيس الجمهورية أو لصالحه «15 ـ 10 ـ 5» بحيث يتمكن من القيام بدور وازن ومرجح. وهذا يتطلب عدم اعطاء فريق 14 آذار الأكثرية المطلقة (النصف + 1) وعدم اعطاء المعارضة الثلث المعطل (10 + 1)، وبما يؤدي الى إفقاد الأكثرية قدرة التحكم في القرارات وحدها، وافقاد المعارضة قدرة التعطيل وتهديد عمل الحكومة. وفي نظر كثيرين فإن هذه الصيغة هي المرشحة لتكون بمنزلة حل وسط والتسوية السياسية الممكنة في عملية البحث عن صيغة أخرى بديلة عن صيغة الدوحة دون المس بروحية الدوحة (المشاركة والتوافق).
صيغة «الثلث المعطل» لرئيس الجمهورية و«حكومة العشرات الثلاث» كلتاهما غير واردة لا في حسابات الأكثرية ولا في حسابات المعارضة، خصوصا في ضوء نتائج الانتخابات التي لم تخلص الى «السيناريو» المثالي بالنسبة للرئيس (كتلة وسطية والتعادل بين الطرفين).
الفكرة التي يطرحها البعض باستبعاد تكتل الاصلاح والتغيير، أو الاكتفاء بتمثيل كتلة بري والطاشناق، وبما يوفر الحد الكافي من مشاركة المعارضة، هي فكرة غير قابلة للتطبيق عمليا استنادا الى موقف اتخذته المعارضة بأن تشارك كفريق واحد في الحكومة أو ان تكون كلها خارج الحكومة والى واقع سياسي يفيد بان بري ليس في وارد ان يخرج من تحالفه العميق مع حزب الله وان حزب الله ليس في وارد التخلي عن العماد عون.