لماذا سافر الرئيس المكلف سعد الحريري فجأة وهو في خضم عملية تشكيل الحكومة؟ هل ذهب في إجازة عائلية مقررة مسبقا ولا علاقة لها بالتطورات الأخيرة؟ أم في إجازة سياسية تعبر عن انزعاج وإرباك إزاء ما حصل من إعادة خلط الأوراق السياسية والحكومية؟ كان هذا السؤال الذي طرح بقوة قبل أيام ليحل محله سؤال آخر: متى يعود الحريري الى بيروت لاستئناف عملية تشكيل الحكومة؟ وهل يستأنف من النقطة التي كان توقف عندها متجاوزا ما حدث، أم انه مضطر لأخذ المعطيات الجديدة في الاعتبار وهي التي تصل في مفاعيلها الى حد إرساء توازن سياسي حكومي وإعادة رسم الخارطة السياسية والنيابية؟
في الواقع تحولت الأنظار من النائب وليد جنبلاط الى الحريري الذي يوجد حاليا في وضع سياسي لا يحسد عليه جراء الضغوط المتعددة الأشكال والمصادر: هو مطالب أولا بالعودة سريعا الى لبنان لتعطيل تهمة التسبب بتأخير الحكومة بعدما كانت هذه التهمة وجهت الى العماد ميشال عون بسبب مطالبه في الأسماء والحقائب، وتحولت صوب جنبلاط بسبب تحوله الذي فاجأ الجميع، لتستقر كرة الحكومة أخيرا في ملعب الحريري المطالب ثانيا بإعادة تركيز وضعيته السياسية، إن لجهة تهدئة وترميم علاقته المضطربة والمتصدعة مع جنبلاط أو لجهة تحديد دور ومستقبل تحالف 14 آذار وعلاقته بهذا التحالف ومكوناته.
ثمة أسئلة كثيرة تطرح في مجال كيفية تعاطي الحريري مع الوضع المستجد الذي يفرض عليه اتخاذ قرارات صعبة وسريعة:
- 1 ـ لأي من المسألتين ستكون الأولوية: مسألة الحكومة أم مسألة العلاقة مع جنبلاط؟ هل تكون إعادة ترتيب العلاقة على أسس وضمانات واضحة شرطا للتقدم في اتجاه تشكيل الحكومة؟ أم ان ملف العلاقة مؤجل الى ما بعد الحكومة التي لا تحتمل انتظارا ويجري العمل على عزلها عن الاشتباك السياسي الطارئ؟
- 2 ـ هل يعتبر الحريري ان صيغة «15 ـ 10 ـ 5» مازالت صالحة وتعكس الواقع السياسي وتوازناته بغض النظر عن تموضع جنبلاط الجديد؟ أم يعتبر ان السير في هذه الصيغة لم يعد ممكنا من دون تحديد واضح لوضعية جنبلاط مع وزرائه الثلاثة، وهل سيكون في مجلس الوزراء جزء من الأكثرية والـ «15» أم سيكون مستقلا ومتمايزا، وبالتالي خارج هذا الفريق بغض النظر عن تموضعه وحتى لو كان في منطقة وسطية رئاسية؟
- 3 ـ كيف سيتصرف الحريري في موضوع علاقته مع جنبلاط بعدما نجح التدخل السعودي العاجل والرفيع المستوى في عزل هذه العلاقة عن كل الملفات والمواقف وحال دون انهيارها؟ وكيف سيعاد إرساء هذه العلاقة ووفق أي أسس والتزامات متبادلة تتجاوز الحكومة الى العلاقة السياسية؟ وكيف ستكون عليه في المرحلة المقبلة هذه العلاقة التي تتحرك بين حدين: ضرورة ان تستمر ولا تنقطع. وصعوبة ان تعود الى سابق عهدها ووضعها، والتي انخفض سقفها وتغير لونها ومحتواها من علاقة تحالف الى علاقة تعاون، وربما الى مجرد علاقة تعايش؟
- 4 ـ ما نظرة الحريري الى تحالف 14 آذار ودوره؟ هل يوافق جنبلاط على ان مبرر وجود هذا التحالف واستمراره قد انتفى بعدما تحققت أهدافه واستهلكت شعاراته وبعدت عن الواقع، وأصبح بحاجة الى إعادة صياغة في المشروع السياسي والشعارات؟ هل يوافق الحريري جنبلاط في توجهه الى الفصل بين علاقتهما الثنائية وبين تحالف 14 آذار، والى القطع مع «مسيحيي 14 آذار»؟ وهل يرى الحريري ان تحالفه مع القيادات المسيحية مازال يمثل حاجة سياسية وضرورة وطنية، أم يرى ما يراه جنبلاط ان هذه القيادات تحولت الى عبء ولم يعد بالإمكان مجاراتها في مواقفها وعدم استعدادها للتكيف مع الحقائق السياسية الجديدة؟
- 5 ـ كيف هي علاقة الحريري مع الرئيس العماد ميشال سليمان؟ وهل مصادفة التزامن الحاصل بين تحول جنبلاط وتعزز موقع سليمان في الحكومة وإثارة موضوع تعديل الدستور؟
- 6 ـ كيف ينظر الحريري الى علاقته مع دمشق: هل هي جزء من التفاهم السوري ـ السعودي وعلى قاعدة إحياء الطائف، أم جزء من التطبيع السوري - اللبناني الذي انطلق بعد الدوحة؟ ومتى يزور دمشق قبل تشكيل الحكومة أم بعدها؟
الرئيس المكلف سعد الحريري، حسب أوساط قريبة منه، في مرحلة إعادة تقييم شامل للموقف ومراجعة للحسابات السياسية والحكومية، وهو غير مستعجل على تشكيل حكومة لا تتوافر لها عناصر الاستقرار والاستمرار والإنتاجية، ويكون فيها أسير وضع يقيده، فما حدث أعاد خلط الأوراق، والتوضيحات التي قدمها جنبلاط جيدة ولكنها غير كافية، الحريري ليس في وارد الانسحاب والاعتذار، كما انه ليس في وارد تشكيل حكومة «كيفما كان» ومن دون ضمانات واضحة وجدية تزيل ما نشأ من التباسات وإشكاليات، وكل ذلك يعني ان حكومة تصريف الأعمال باقية لفترة إضافية، وان تمديد عمرها يعكس استمرار الأزمة القوية والصامتة التي تعود في ظاهرها الى «الخربطات الداخلية» وترتبط في عمقها بالتقلبات الإقليمية التي حالت حتى الآن دون اكتمال التفاهم السوري ـ السعودي.