مازال الغموض يلف قضية رجل الأعمال اللبناني صلاح عز الدين الذي تعرض للافلاس لجهة مصير أموال المودعين والملابسات القانونية للقضية بعد مرور أسبوع على كشفها اعلاميا، ويبدو ان هذه القضية مرشحة لتتحول الى كرة ثلج تكبر شيئا فشيئا في ظل الحقائق التي قد تتكشف يوما بعد يوم من خلال التحقيقات التي يجريها القضاء مع الموقوف عز الدين أو من خلال الدعاوى التي بدأ المتضررون باعدادها، فضلا عما ستتركه من تداعيات مالية واجتماعية ستظهر مخاطرها في المستقبل القريب جدا، وتحديدا لدى شريحة لبنانية جنوبية.
وقد اختصر المراقبون قضية عز الدين وما يشوبها من غموض ونقاشات بالنقاط التالية:
ساد لغط حول علاقة عز الدين بحزب الله، وفي حين ترددت معلومات مفادها ان رئيس كتلة الحزب النائب محمد رعد وعضو الكتلة أمين شري ومسؤول لجنة الارتباط في الحزب وفيق صفا من بين ضحايا عز الدين، صدر عن المسؤولين الثلاثين ما يشير الى انه لا علاقة استثمارية أو مالية أو تجارية مع عز الدين.
كما كان للسيد حسن نصرالله رأي في قضية عزالدين حيث لفت الى ان ليس لحزب الله وقيادته وتنظيمه علاقة بهذه المسألة من اولها الى آخرها لا من قريب ولا من بعيد، مؤكدا ان القيادات لا يملكون شيئا من الاموال المدعاة، معتبرا ان الهدف من تسليط الضوء على هذه المسألة الموضوعة بيد القضاء من قبل عدد من وسائل الاعلام هو تشويه صورة الكثير من كوادر الحزب، واشار السيد نصرالله الى ان الحزب بصدد اصدار بيان مفصل حول هذا الموضوع الحساس والذي يمس أموال الناس.
وفي المقابل أكدت مصادر التحقيق ان القضاء لم يعرف ما اذا كان سياسيون وقعوا ضحية عز الدين غير النائب في كتلة حزب الله حسين الحاج حسن الذي قدم دعوى جزائية بإعطائه شيكا مصرفيا بلا رصيد بقيمة 200 ألف دولار، وهو اجمالي المبلغ الذي كان يستثمره النائب المذكور مع عزالدين، وتقول المعلومات ان غالبية المودعين عند الرجل هم من عائلات الحزب وأنصاره ومؤيديه، حتى ان كثيرين تعاملوا معه بثقة كبيرة نتيجة أشياء عدة، أبرزها ما أشيع عن انه «شريك الحزب»، واللافت في كل هذا النقاش هو الرهان الضمني عند غالبية المتضررين على ان الحزب سوف يبادر الى التعويض عن الأزمة بحد ذاتها من أجل اعلاء شأن رجال الأعمال الشيعة والتعويض للمتضررين مباشرة من خلال دفع ما يستحق لهم في ذمة الرجل.
قضية افلاس عز الدين احتلت صدارة الاهتمام القضائي، وستكون موضع متابعة واهتمام من السلطة القضائية لأشهر طويلة نظرا لما ستتركه من تداعيات مالية واقتصادية واجتماعية، وربما سياسية، وتوقعت مصادر قضائية قرب انتهاء التحقيقات الأولية معه ربما هذا الأسبوع واحالة الملف برمته الى النائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا لدراسته والتثبت من نوع الجرم وتحديد ما اذا كان الافلاس احتياليا أم تقصيريا، وبالتالي تحديد وجهة الادعاء، باعتبار ان الافلاس الاحتيالي هو جرم جنائي تتراوح عقوبته بين ثلاث وخمس عشرة سنة أشغالا شاقة، بينما الافلاس التقصيري هو جنحة لا تتعدى عقوبتها السجن ثلاث سنوات كحد أقصى.
في الأرقام، تتكتم الجهات القضائية على النتائج الأولية التي ترشح عن مجريات التحقيق، ولكن مصادر متابعة له تقول ان مجموع أعمال صلاح عز الدين لا تتعدى قيمتها الاجمالية ٤٥٠ مليون دولار كان قدم منها حوالى مائة مليون دولار كأرباح لمجموعة من المستثمرين ليتبقى من أصل المبلغ ٣٥٠ مليون دولار هي اليوم في عداد الضياع، وهو المبلغ الذي تدور حوله اليوم التحقيقات لمعرفة مصيره.
وفيما تقول مصادر أخرى ان الرقم التقريبي للودائع يتراوح بين 500 و600 مليون دولار، أوضحت مصادر بعض المتضررين ان المبالغ أكثر من ذلك بكثير، خصوصا ان عدد اللبنانين الذين يستثمرون أموالهم معه يفوق 400 شخص، وان عددا كبيرا من هؤلاء المغتربين من الجنوب، خصوصا من المقيمين في الولايات المتحدة الاميركية وافريقيا ومن بلدات في البقاع وفي الضاحية الجنوبية، وكشفت المصادر ان التحقيق بات يملك تصورا عن حجم الأموال المهدورة من لبنانيين وطرق استثمارها وأسباب فقدانها التي لا تعود الى خسارته في الأزمة المالية العالمية والخسائر التي مني بها في تجارة المواد الأولية من حديد ونفط وغيرها فحسب، بل أيضا بسبب مغامراته في لبنان نتيجة الانفاق الهائل والبذخ عبر تبرعات وأعمال خيرية من دون دراسة أو دراية أو تدقيق مالي ومحاسبي، فضلا عن استدانة الأموال الطائلة من المودعين الذين كانوا يمنون النفس بعائدات أرباح على أمواله تتراوح بين 30 و40% وهذه أرباح خيالية لا يمكن ان يجنيها أي عمل تجاري أو استثماري لا في لبنان ولا في الخارج، وهو أشبه بالمراباة غير المقصودة، علما ان الدائنين أودعوا أموالهم لدى عز الدين على أساس ان أرباحه هي حلال وان كانت خيالية تبقى أفضل بكثير من الفوائد التي تعطيها المصارف من الوجهة الشرعية.
في حين يركز التحقيق على أنواع التجارة التي كان يتعاطاها عز الدين وحجمها وما اذا كانت ثمة مجازفات من قبله أو اهمال أدى الى خسارته وتبديد أموال الناس، تقول مصادر ان عز الدين كان يقوم باستثمار مبالغ كبيرة من أموال الناس من دون ان يعتمد على مدققي حسابات، وان كل الحسابات والبيانات كان يختصرها بمجموعة أوراق يحملها في حقيبة، ما يدل على فوضى في التعاطي ويقلل من احتمال توصيف افلاسه بالتقني أو التقصيري.
اللافت ان غالبية المتضررين لم يقرروا حتى الآن ان يدخلوا في مواجهة علنية مع الرجل ان من خلال القضاء والمحاكم أو حتى من خلال التفوه بكلام قد يسيء الى سمعته أو في الحد الأدنى اتهامه بالاختلاس أو التقصير، ومازالوا يصرون على التحدث عن مزاياه «الانسانية والأخلاقية» وتسويق قضيته وكأنه وقع ضحية مؤامرة ما، قد يكون للموساد الاسرائيلي ضلع فيها.