زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى بيروت ليست زيارة عادية وإنما هي «زيارة مهمة» في أوضح وأقوى دخول مصري على خط الأزمة اللبنانية التي تتصدرها حاليا أزمة تشكيل الحكومة. جاء شكري بصفته «موفدا رئاسيا خاصا» أكثر من كونه وزيرا للخارجية ورئيسا للديبلوماسية المصرية. وجاء في مهمة منسقة ومتكاملة مع المبادرة الفرنسية التي استنفدت زخمها وطاقتها وباتت في حاجة إلى «سند» عربي.
وأمضى المسؤول المصري يوما حافلا في بيروت وسط إجراءات أمنية فوق العادة.. في الشكل، تميز جدول أعمال الزيارة باستثناء حزب الله والنائب جبران باسيل من لقاءاته، والاستعاضة عنهما أو الاكتفاء بلقاءين مع الرئيس نبيه بري والرئيس ميشال عون. وفيما بدا التعاطف المصري واضحا مع قادة المعارضة، وخصوصا المعارضة المسيحية، بدا التأييد المصري جليا وقويا للرئيس سعد الحريري بصفته زعيما للطائفة السنية ورئيسا للحكومة التي لم تشكل. ولعل الإشارة الأبلغ في هذا الاتجاه تكمن في اعتماد بيت الوسط مركزا للمؤتمر الصحافي الختامي، إضافة إلى مقاطعة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب الذي صار خارج المعادلة والحسابات.
في المضمون، لا تكتفي مصر بـ«مندرجات المبادرة الفرنسية»، ولكنها تحرص على التذكير بـ«اتفاق الطائف والأرضية القانونية المتعلقة بالدستور وهذا الاتفاق». ولا تكتفي مصر بإبداء القلق من مسار الأزمة الداخلية والخيبة من «الانسداد السياسي» وأداء المسؤولين، وبالتحذير من عواقب الاستمرار في هذين السلوك والوضع على الاستقرار والأمن في لبنان. وإنما تضيف إلى ذلك القلق من التطورات الإقليمية وتأثيرها على لبنان وارتباطه بها. وقد عكست مداولات الموفد المصري وجود مناخات إقليمية غير مريحة ومعطيات ومؤشرات مقلقة حول ما يرسم ويحاك في المنطقة التي تقف عند «مفترق طرق» خطير، وحيث ترسم معالم تحالفات جديدة ستكون انعكاساتها سلبية على عدد من الدول ومنها لبنان.
ولذلك تحركت الديبلوماسية المصرية على نحو عاجل لتحصين لبنان من العواقب الوخيمة التي تلوح في الأفق، ولإيجاد مناخات داخلية تساعد على تحييد الساحة اللبنانية قدر المستطاع عن التطورات والأحداث المقلقة والمتنقلة بين دول المنطقة، من اليمن والخليج إلى العراق والأردن، والى سورية ولبنان، إضافة إلى ما يجري في بحار المنطقة من عمليات وحرب سفن. وفي ظل كل هذه الأجواء والمعطيات، يبدو تشكيل الحكومة في غاية الأهمية، ومن خلفية تلقف المبادرة الفرنسية والعمل من خلالها لتأمين حد أدنى من الاستقرار الداخلي، وإقفال ثغرات وأبواب يمكن أن تنفذ منها محاولات التخريب على الوضع اللبناني المرتبط بأوضاع المنطقة.
هذا التماهي المصري ـ الفرنسي في الملف اللبناني يمتد إلى مجمل ملفات المنطقة، في ظل علاقة متطورة قائمة على تنسيق وشراكة استراتيجية ورسختها زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى باريس قبل أشهر. هذه الزيارة التي جرت في ظل تحديات الشرق الأوسط ومحاولات زعزعة استقرار وتوازن المنطقة، أبرزت تقاربا كبيرا في 4 ملفات رئيسية: ملف مياه شرق المتوسط، وملف الحرب على الإرهاب ومواجهة التطرف حيث تعمل باريس على تعميق العلاقة الأمنية والعسكرية مع مصر، والملف الليبي حيث تلتقي الدولتان على التمسك بالحل السياسي الشامل وتفكيك الميليشيات وخروج قوات المرتزقة الخارجية، والملف اللبناني حيث تلتقي باريس والقاهرة على تشكيل حكومة اختصاصيين برئاسة الحريري.