أحدثت حادثة «ضهر العين» صدمة عميقة في الشمال خصوصا ولبنان عموما وأخذت حجما كبيرا يفوق حجمها الواقعي لثلاثة أسباب على الأقل: لأنها انطوت على أبعاد انسانية عاطفية وهزت المشاعر، مع مصرع شابين شقيقين وبسبب خلافات شخصية وعائلية غير ذات شأن (تافهة)، ولأنها حصلت عشية الانتخابات البلدية، وهو ما ساهم في اثارة لغط حولها لوهلة أولى بأن يكون لها صلة سببية بالانتخابات قبل ان تتضح الأمور بأن دوافعها شخصية لا سياسية، ولأنها، وان كانت ذات دوافع شخصية وعائلية، وقعت بين طرفين ينتميان الى القوات اللبنانية والمردة، ما أعطاها بعدا سياسيا وأدى الى إيقاظ حساسيات سابقة متراكمة. النتائج الأولى لهذه الحادثة تمثلت في:
- عودة العلاقة بين المردة (فرنجية) والقوات اللبنانية (جعجع) الى نقطة الصفر والى ما تحت الصفر، بعدما كانت هذه العلاقة قطعت شوطا متقدما في التخلص من رواسب الماضي وفي سلوك طريق المهادنة الاعلامية والسياسية والاعتراف السياسي المتبادل، وباتت مهيأة لأن توضع على سكة المصالحة.
- عودة ملف المصالحات المسيحية وأبرزها عمليا وفعليا مصالحة فرنجية وجعجع الى وضعية «التجميد والتأجيل» حتى اشعار آخر، فإذا كان الصراع المسيحي بدأ من الشمال عام 1978 مع مجزرة اهدن وما سبقها وما تلاها، فإن نهايته لا تكون الا من الشمال وعبر مصالحة القوات والمردة، ومادام هذا الجرح بقي مفتوحا، فإن الجسم الماروني سيظل ينزف والمشكلة في الساحة المارونية تظل كامنة، وبغض النظر عن موقف فرنجية بأنه «لا مصالحة بعد اليوم» والذي يغلب عليه انفعال اللحظة، فإن أوساطا تتوقع ان تتحول صدمة ضهر العين الى صدمة ايجابية وان تؤدي الى اعادة تحريك جهود المصالحة من قبل بكركي والرابطة المارونية.
- ادخال التوتر بين فرنجية وجعجع على خط الوضع السياسي العام في البلد وتوظيفه سياسيا من قبل المعارضة، خصوصا ان هذا التطور الأمني السلبي تزامن مع تطور سياسي تمثل في تصعيد جعجع لموقفه السياسي الذي أصاب بشظاياه الرئيس ميشال سليمان، ولم يكن مفاجئا ان تسعى قوى المعارضة، التي كانت منذ أيام شرعت في حملة ضغوط سياسية قوية ومتصاعدة يصل أفقها الى فك تحالف الحريري - جعجع والى اخراج القوات من الحكومة، الى استغلال سياسي لحادثة ضهر العين الأمنية والى أقصى حدود.