انهى رئيس الحكومة سعد الحريري امس زيارته الرسمية الى ايران حيث توجت بلقاء مرشد الجمهورية الاسلامية الايرانية آية الله علي خامنئي، هذه الزيارة التي تمت بناء على «دعوة ايرانية وتوقيت حريري»، زيارة مهمة ومثيرة للجدل في توقيتها الحساس الذي يصادف أزمة لبنانية داخلية معقدة، وفي مضمونها المتأرجح بين السياسة والاقتصاد، وفي النتائج والانعكاسات على الوضع في لبنان، واستنادا الى ما سبق هذه الزيارة وما رافقها وأحاط بها من مواقف وملابسات يمكن الخروج بالتقييم السياسي الأولي المرتكز الى النقاط التالية:
1 - استقبل الرئيس الحريري بحفاوة في طهران وبكل مظاهر التكريم التي تعتمد مع الضيوف الكبار للجمهورية الاسلامية، ومن خلالها بعثت ايران اشارات واضحة تدل الى مدى الاحاطة بالحريري الذي استقبل بصفته المزدوجة: الرسمية كرئيس لحكومة لبنان و«الرمزية» كزعيم سني ابن الرئيس رفيق الحريري الذي أرسى قواعد العلاقات الثنائية الرسمية بين ايران، وكان أول رئيس حكومة يزور الجمهورية الاسلامية، ولكن هذه المظاهر التكريمية ليست مقياسا لنجاح الزيارة التي لم يعرف بعد أي صفة طغت عليها: زيارة سياسية أم زيارة بروتوكولية؟
2 - قرار الحريري بالذهاب الى طهران وفي هذا الوقت لم يكن قرارا سهلا وانما بالتأكيد لم يكن صعبا في مستوى قرار زيارته الأولى الى دمشق، وهذا القرار الصعب و«الجريء» الذي يجمع بين «المبادرة والمغامرة» لم يمر من دون نقاش داخلي عند فريق الرئيس الحريري حيث برز رأي متحفظ على الزيارة، ليس على مبدأ حصولها وانما على التوقيت بعد زيارة الرئيس الايراني الى لبنان وما أثارته من ضجة وما أدت اليه من يقظة أو استفاقة دولية حيال الوضع في لبنان بحيث تأتي زيارة الحريري الى طهران لتوجه اشارات غير مطمئنة وغير مفهومة الى المجتمع الدولي، ولكن الرأي الآخر الذي رأى وجوب حصول الزيارة الآن وقبل صدور القرار الظني وفي سياق المساعي العربية المبذولة لاحتواء الأزمة، كان له الأرجحية، خصوصا ان العامل الحاسم في ذلك التشجيع والايحاء السعودي للحريري للقيام بهذه الزيارة التي تحصل في ظل حركة اتصالات ناشطة وأجواء متقدمة على خط طهران الرياض.
3 - كان الحريري واضحا من دون تردد وتحفظ في مجال تحسين العلاقات الثنائية ورفع مستواها واستعداده لأن يتولى شخصيا ملف هذه العلاقات «اللجنة المشتركة العليا تصبح على مستوى نائب الرئيس الايراني ورئيس الوزراء اللبناني»، ولان يزور طهران ثانية في فبراير المقبل، ولكن الحريري كان حذرا في المحادثات السياسية لجهة:
- حرصه المفرط على توضيح ان الأولوية هي للمساعي السورية السعودية التي تشكل المظلة العربية للبنان ومرجعيته في الازمة الراهنة.
- عدم مبادرته الى طرح موضوع المحكمة الدولية والقرار الظني والى طلب وساطة ايرانية، لأن لا شيء جديدا يقوله او يقدمه، وليس لإيران ما تعطيه في هذا المجال، فالحريري وصل الى طهران وفكرة «التسوية قبل القرار الظني» مازالت مشوشة وغير ناضجة لديه، وطهران داعمة لموقف حزب الله وتعتبره الجهة والعنوان للحديث في هذا الموضوع.
- الحذر في مقاربة مسائل حساسة عالقة بين البلدين والرغبة في تأجيلها الى ظروف أكثر انقشاعا وملاءمة، مثل الغاء التأشيرات ومشاريع الكهرباء وتسليح الجيش.
4 - حزب الله لم يصدر عنه ما يشير الى انه متحمس أو مهلل لزيارة الحريري الى ايران، لا بل ما صدر ما يفيد انه يقلل من شأن هذه الزيارة ولا يعول عليها، وأكثر من ذلك ينظر اليها بعين الحذر والريبة من ان تكون في اطار سياسة «تقطيع وشراء الوقت»، وهذا ما ألمح اليه ضمنا وصراحة السيد حسن نصرالله في خطابه أمس الاول داعيا الى «تسوية قبل القرار الظني» لأن بعد ذلك يفوت الأوان وتخرج الأمور عن السيطرة وزمام المبادرة.
أمين عام حزب الله مازال يحتفظ بلغة النصح والتحذير والتهديد، ولكن خطابه السياسي تتقدم فيه التسوية على المواجهة ومن خلفية ان القرار الظني آت وهناك تحول الى التعاطي مع مفاعيله عبر تعطيلها مسبقا، ولكن شرط التسوية ان تحصل قبل القرار وليس بعده.
والسؤال الآن مع اعادة الكرة مجددا الى ملعب الحريري: هل زيارة الحريري الى طهران مؤشر الى استعداده للانخراط في التسوية؟ وهل تكون مقدمة للقاء مع نصرالله؟ والأهم هل يكون الانخراط واللقاء قبل القرار الظني، وهل يظلان متاحين وممكنين بعده؟