الوضع اللبناني في الفترة الممتدة بين التكليف والتأليف سجل تطورات ومتغيرات سياسية أبرزها:
1- الأوضاع المتغيرة في المنطقة، لاسيما في مصر التي تمثل ثقلا سياسيا ومعنويا، والتي دخلت في أزمة صعبة بدأت أصداؤها تتردد في المنطقة مع سقوط الحكومة الأردنية وإعلان الرئيس اليمني عبدالله صالح بدء العد العكسي لنهاية نظامه.
هذه الأوضاع ترخي بظلالها الكثيفة على مجمل المنطقة، بدءا من عملية السلام التي ستزداد جمودا، وصولا الى الملف اللبناني الذي هبط في ترتيب لائحة الأولويات الدولية والعربية. ويمكن القول ان الواقع العربي الجديد المضطرب، مضافا إليه الواقع السياسي اللبناني الجديد المتحول، جعل المحكمة الدولية باتت «هامشية» في السياق العام للأحداث، وان القرار الاتهامي خسر الكثير من وهجه ومفاعيله أيا كان مضمونه. ولا يعرف حتى الآن كيف ستنعكس هذه التغييرات على عملية تشكيل الحكومة: هل تدفع الأكثرية الجديدة الى التشدد أكثر من خلفية ان ما يجري يصب في مصلحتها، أم تدفع المعارضة الجديدة الى التفكير أكثر في خيار المشاركة في ظل وضع إقليمي انتقالي، أم تدفع الى تأخير اضافي في ولادة الحكومة بانتظار جلاء الوضع في المنطقة؟
2- الصراع في لبنان منذ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي والملابسات التي أحاطت به وانكشاف الوضع عن «أكثرية جديدة»، أخذ أكثر منحى الصراع السياسي وتراجع فيه المنحى الطائفي أو المذهبي، وكان هذا التحول في مسار الأزمة من أبرز نتائج عملية خلط الأوراق التي غلبت الأزمة (السياسية) على الفتنة (المذهبية) مع انخراط الزعيم الدرزي في مشروع حزب الله، ومع خروج «طرابلس السنية» (سياسيا ونيابيا على الأقل) من فلك 14 آذار الى الموقع الوسطي الذي يصب عمليا في مصلحة 8 آذار.
3- أحرز الرئيس نجيب ميقاتي تقدما سياسيا في فترة وجيزة وأظهر «كفاءة» في ادارة العملية السياسية لتشكيل الحكومة التي تجري وسط حقل ألغام سياسية وضغوط متبادلة من طرفي الصراع وضعته بين «شاقوفين» وفي وضع دقيق لا يحسد عليه.
حقق ميقاتي نقاطا وخروقات في 3 مجالات أساسية:
- مجال «الموقف الدولي» الذي طرأ عليه تعديل ملحوظ، وبعدما كان شديد الحذر والتحفظ بعد سقوط حكومة الحريري، بات الآن أكثر مرونة. ثمة قبول دولي لـ«شخص» ميقاتي (آخر الاشادات صدرت أمس عن سفيري روسيا وفرنسا) واتجاه لإعطائه فرصة مع بقاء التحفظ على حكومته، وحيث يبقى الموقف منها رهنا بسياستها وبرنامجها والتزاماتها حيال القرارات الدولية.
- مجال «الموقف المسيحي»، وحيث نجح ميقاتي في فتح كوة حوار مع «14 آذار المسيحي» وفي اقامة «علاقة جانبية» مع الرئيس أمين الجميل، على خلفية الرغبة في حصول مشاركة في حكومته وتحويلها الى حكومة شراكة...
وجاءت الاشارة الايجابية التي تضمنها بيان بكركي تجاه ميقاتي أمس لتوفر نوعا من غطاء ودعم هو في أمس الحاجة اليهما لتوسيع «قاعدته المسيحية».
- مجال «المناخ السني» الذي كان بلغ ذروة التوتر والتشنج غداة سقوط الحريري وعرف الرئيس ميقاتي كيف يتعاطى معه ويعمل على احتوائه وامتصاص أجواء «النقمة والغضب والاحباط».
وقد فعل ذلك من خلال اشارات سياسية تفيد بأنه حريص على دور ومصالح وحقوق الطائفة السنية ولا يقبل انتقاصا من دوره في تشكيل الحكومة، وهو يرفض توزير من يشكل تحديا واستفزازا للحريري وتياره أو المس بمن يعتبرون رموز المرحلة السابقة وهم في الواقع باتوا رموزا للطائفة السنية في الدولة ومؤسساتها الأمنية والقضائية...
وحتى في موضوع المحكمة الدولية الذي يعتبر موضوعا حساسا ومهما عند السنة، يتفادى ميقاتي اعطاء موقف شخصي ويحيل الموضوع الى حوار لبناني وغطاء عربي وقرار دولي.
4- يعاني فريقا 8 و14 آذار من ثغرات داخلية سياسية وعدم تماسك في الموقف حيال موضوع الحكومة الجديدة:
- فريق 14 آذار تتجاذبه فكرتا المشاركة والمقاطعة، مع ميل واضح الى عدم المشاركة وعدم تغطية حكومة ليست حكومته وحررته من أعباء التزامات ومواقف صعبة وحالة ابتزاز.
- فريق 8 آذار تتجاذبه فكرتا التعجيل والتريث، ويتوزع بين اتجاهين: اتجاه الاسراع في تشكيل الحكومة قبل استحقاقات محلية (يوم 14 فبراير) وخارجية (الكشف عن مضمون القرار الظني)، وفي ظل انشغال دولي وعربي بالوضع في مصر.
واتجاه التريث واعطاء الرئيس ميقاتي ما يلزم من وقت وجهد وعدم حشره في سقف زمني أو بشروط ومواقف وتسهيل مهمته الحكومية، والتساهل في موضوع الحكومة الآن مقابل التشدد في موضوع «المحكمة» لاحقا.