سلك الخلاف بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري منحى تصعيديا على خلفية التسجيل الذي عرضته محطة «نيو.تي.في»، في إطار ما أسمته «حقيقة ليكس».
تبدو العلاقة بين بري والحريري آخذة في المزيد من التدهور على خلفية التسجيل الذي عرضته محطة «نيو.تي.في»، في إطار ما أسمته «حقيقة ليكس»، المتضمن إفادة الثاني (الحريري) أمام لجنة التحقيق الدولية الناظرة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، والتي أظهر فيها أن الرئيس بري كان يكن العداء لوالده، وقد عمل على إبعاده من الحكم، كما انه (بري) لم يبد متأثرا باغتياله (رفيق الحريري)، بدليل أنه قام بدعوة البرلمان بعد أسبوع من وقوع الجريمة بحجة إقرار نظام انتخابي جديد، كان الرئيس الراحل من أشد المتحمسين لإقراره. وإذا كان التسجيل هذا الذي أثار غضب بري لم يكن الأول الذي تناول فيه الحريري الابن موقف رئيس المجلس النيابي من أبيه، فإنه هذه المرة رد عليه بعنف خلافا للمرة الأولى، التي اكتفى فيها بالتأكيد على العلاقة الوطيدة التي كانت تجمع بينه وبين الرئيس رفيق الحريري.
وقد عبر بري عن استيائه الشديد مما قاله الحريري في التسجيل الأخير، فرد عليه من على متن الطائرة التي كانت تقله الى الدوحة يوم الأحد الماضي، للمشاركة في المؤتمر السابع عشر للاتحاد الدولي البرلماني العربي أمام الوفد الإعلامي المرافق له، إذ قال إنه لو عادت الساعة الى الوراء، وأعاد التاريخ نفسه، لكان اتخذ الموقف عينه من نصح الرئيس رفيق الحريري بالاعتذار عن عدم تأليف الحكومة في العام 2005 بعد التعثر الطويل الذي واجهه.
وأضاف متحسرا «للأسف الشديد، فإن الرئيس سعد الحريري أعطى هذه المسألة بعدا آخر، محاولا الإيحاء بأن موقفي حيال والده يومها، جاء بناء على إيعاز سوري، وذلك حتى يغذي المناخ الذي أراد تلبيسه جريمة الاغتيال عبر اتهام السوري». وخلص بري إلى القول «لقد صدمني الرئيس سعد الحريري بنياته المضمرة التي تختزن كل هذه الأحقاد».
وفيما كاد الخلاف بين بري والحريري يقتصر على الردود المتبادلة بين الرجلين، والتي ذهب الثاني في أحدها وقبل عرض التسجيل الأخير، إلى حد اتهام الأول بالاستيلاء على المال العام، إضافة إلى حملة انتقادات شنها نواب من كتلة «المستقبل» النيابية على رئيس البرلمان تركزت بداية حول ربطه عقد جلسات مجلس الوزراء بإقرار بند شهود الزور أولا، فإن تطورات الساعات الثماني والأربعين الأخيرة، أظهرت أن الخلاف الدائر بين الرجلين، سلك منحى تصعيديا جديدا، تمثل بـ «الحرب الكلامية» المتبادلة، التي اتخذ تلفزيون «المستقبل» التابع للحريري، ومحطة «ان.بي.ان» المدعومة من بري منصة لها، فراح كل منهما يكيل الاتهام للآخر.
محطة «ان.بي.ان» استهلت نشرة أخبارها المسائية أمس الاول بالتوقف عند كلام الرئيس بري، إنه «عرف الآن لماذا كان رئيس الحكومة، يمتنع عن فتح ملف «شهود الزور»، لتوجه اتهاما مباشرا له، مفاده أنه كان واحدا من صانعي هؤلاء الشهود، عارضة في هذا السياق أسماء شخصيات وزارية ونيابية وسياسية وأمنية وقضائية وإعلامية قريبة من الحريري، قالت إنهم مطلوبون للعدالة بجرم فبركة شهود الزور. كذلك حملت المحطة على السياسة المالية للحريري، واصفة إياها بأنها أشبه بـ«مغارة علي بابا والأربعين حرامي».
بدوره حمل تلفزيون «المستقبل» بعنف على الرئيس بري، واستحضر مواقف له، يحمل فيها على الرئيس الراحل رفيق الحريري، منها تشبيهه له في العام 2001 بالملك الفرنسي الراحل لويس السادس عشر. وقوله في أحد مؤتمراته الصحافية في معرض هجومه عليه، إن «من طلع الحمار على المئذنة فلينزله».
كذلك انتقد «المستقبل» إقدام وزير الخارجية والمغتربين علي الشامي المحسوب على بري على منح أذونات عمل في الخارج لعدد من الديبلوماسيين والمستشارين القريبين منه، خلافا لما تنص عليه القوانين عند قيام الحكومة بتصريف الأعمال.
ما هي أبعاد هذه الحملة المتبادلة بين بري والحريري؟.. سؤال طرحناه على مصدر قريب من رئيس المجلس النيابي، فأجاب بأن «جماعة المستقبل» هم من بادروا بالهجوم على الرئيس بري عبر التلفزيون التابع لهم، حيث جاءوا بالوزير السابق محمد عبدالحميد بيضون المفصول من حركة «أمل» مرتين في غضون أسبوعين، ليوجه سهامه الى بري حتى وصل به الأمر أخيرا إلى حد «تلفيق» رواية، زعم فيها أن الرئيس بري، وحين تبلغ من العميد رستم غزالة رئيس جهاز الأمن والاستطلاع التابع للقوات العربية السورية التي كانت تعمل في لبنان، عزم الحريري على الاستقالة في العام 2005، أجاب «فليذهب إلى جهنم»، وفي ذلك كذب فاضح، لا يمكن السكوت عنه، لذلك بادرت محطة «ان.بي.ان» من تلقاء نفسها للرد عليه بالشكل المناسب.
من جهته، أبلغ مصدر قريب من الحريري «إيلاف» أن من تعرض للأخير عليه أن يتحمل وزر فعلته، لافتا الى أن «المواجهة الإعلامية» مستمرة، طالما أن الطرف الآخر ماض بها.